المجلد الأول
الكلام وما يتألف منه | المعرب والمبني | النكرة والمعرفة | العلم | اسم الإشارة | الموصول | المعرف بأداة التعريف
من هنا لم ينسخ في هذه الصفحة من الابتداء | وكان وأخواتها | وفصل في ما ولا ولات وإن المشبهات بليس | وأفعال المقاربة | إن وأخواتها
1.شرح ابن عقيل - المجلد الأول - الكلام وما يتألف منه
المؤلف
ابن عقيل
المعرب والمبني
ملاحظات: الكلام وما يتألف منه 1.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده، وصلاته وسلامه على من لا نبي بعده.
قال محمد هو ابن مالك
أحمد ربي الله خير مالك2
مصليا على النبي المصطفى
وآله المستكملين الشرفا3
وأستعين الله في ألفيه
مقاصد النحو بها محويه4
تقرب الأقصى بلفظ موجز
وتبسط البذل بوعد منجز5
وتقتضي رضا بغير سخط
فائقة ألفية ابن معط6
وهو بسبق حائز تفضيلا
مستوجب ثنائي الجميلا7
والله يقضي بهبات وافره
لي وله في درجات الآخره8
كلامنا لفظ مفيد كاستقم
واسم وفعل ثم حرف الكلم9
واحده كلمة والقول عم
وكلمة بها كلام قد يؤم10
الكلام المصطلح عليه عند النحاة: عبارة عن اللفظ المفيد فائدة يحسن السكوت عليها فاللفظ جنس يشمل الكلام والكلمة والكلم ويشمل المهمل ك ديز والمستعمل ك عمرو ومفيد أخرج المهمل وفائدة يحسن السكوت عليها أخرج الكلمة وبعض الكلم وهو ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر ولم يحسن السكوت عليه نحو إن قام زيد ولا يتركب الكلام إلا من اسمين نحو زيد قائم أو من فعل واسم كـ" قام زيد" وكقول المصنف "استقم" فإنه كلام مركب من فعل أمر وفاعل مستتر والتقدير استقم أنت فاستغنى بالمثال عن أن يقول: "فائدة يحسن السكوت عليها فكأنه قال الكلام:هو اللفظ المفيد فائدة كفائدة استقم".
وإنما قال المصنف كلامنا ليعلم أن التعريف إنما هو للكلام في اصطلاح النحويين لا في اصطلاح اللغويين وهو في اللغة اسم لكل ما يتكلم به مفيدا كان أو غير مفيد.
والكلم: اسم جنس11 واحده كلمة وهي إما اسم وإما فعل وإما حرف لأنها إن دلت على معنى في نفسها غير مقترنة بزمان فهي الاسم وإن اقترنت بزمان فهي الفعل وإن لم تدل على معنى في نفسها بل في غيرها فهي الحرف.
والكلم: ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر كقولك إن قام زيد.
والكلمة: هي اللفظ الموضوع لمعنى مفرد فقولنا الموضوع لمعنى أخرج المهمل كديز وقولنا مفرد أخرج الكلام فإنه موضوع لمعنى غير مفرد ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى أن القول يعم الجميع والمراد أنه يقع على الكلام أنه قول ويقع أيضا على الكلم والكلمة أنه قول وزعم بعضهم أن الأصل استعماله في المفرد ثم ذكر المصنف أن الكلمة قد يقصد بها الكلام كقولهم في لا إله إلا الله كلمة الإخلاص وقد يجتمع الكلام والكلم في الصدق وقد ينفرد أحدهما فمثال اجتماعهما قد قام زيد فإنه كلام لإفادته معنى يحسن السكوت عليه وكلم لأنه مركب من ثلاث كلمات
ومثال انفراد الكلم إن قام زيد12
ومثال انفراد الكلام زيد قائم13
بالجر والتنوين والندا وأل
ومسند للاسم تمييز حصل14
ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذا البيت علامات الاسم.
فمنها الجر: وهو يشمل الجر بالحرف والإضافة والتبعية نحو مررت بغلام زيد الفاضل فالغلام مجرور بالحرف وزيد مجرور بالإضافة والفاضل مجرور بالتبعية وهو أشمل من قول غيره بحرف الجر لأن هذا لايتناول الجر بالإضافة ولا الجر بالتبعية.
ومنهما التنوين: وهو على أربعة أقسام: 15
تنوين التمكين: وهو اللاحق للأسماء المعربة كزيد ورجل إلا جمع المؤنث السالم نحو مسلمات وإلا نحو جوار وغواش وسيأتي حكمهما 16 وتنوين التنكير: وهو اللاحق للأسماء المبنية فرقا بين معرفتها ونكرتها نحو مررت بسيبويه وبسيبويه آخر وتنوين المقابلة وهو اللاحق لجمع المؤنث السالم نحو مسلمات فإنه في مقابلة النون في جمع المذكر السالم كمسلمين.
وتنوين العوض وهو على ثلاثة أقسام:
عوض عن جملة: وهو الذي يلحق إذ عوضا عن جملة تكون بعدها كقوله تعالى: {وأنْتُمْ حِينَئذٍ تَنْظُرُونَ} أي حين إذ بلغت الروح الحلقوم فحذف بلغت الروح الحلقوم وأتى بالتنوين عوضا عنه وقسم يكون عوضا عن اسم وهو اللاحق لكل عوضا عما تضاف إليه نحو كل قائم أي كل إنسان قائم فحذف إنسان وأتى بالتنوين عوضا عنه.
وقسم يكون عوضا عن حرف: وهو اللاحق لجوار وغواش ونحوهما رفعا وجرا نحو هؤلاء جوار ومررت بجوار فحذفت الياء وأتي بالتنوين عوضا عنها.
وتنوين الترنم 17: وهو الذي يلحق القوافي المطلقة بحرف علة كقوله:
أقلى اللوم عاذل والعتابن
وقولي إن أصبت لقد أصابن18
فجيء بالتنوين بدلا من الألف لأجل الترنم وكقوله:
أزف الترحل غير أن ركابنا
لما تزل برحالنا وكأن قدن19
والتنوين الغالي: وأثبته الأخفش وهو الذي يلحق القوافي المقيدة كقوله:
وقاتم الأعماق خاوي المخترقن20
وظاهر كلام المصنف أن التنوين كله من خواص الاسم وليس كذلك بل الذي يختص به الاسم إنما هو تنوين التمكين والتنكير والمقابلة والعوض وأما تنوين الترنم والغالي فيكونان في الاسم والفعل والحرف 21. ومن خواص الاسم: النداء نحو يا زيد والألف واللام نحو الرجل والإسناد إليه نحو زيد قائم.
فمعنى البيت حصل للاسم تمييز عن الفعل والحرف بالجر والتنوين والنداء والألف واللام والإسناد إليه أي الإخبار عنه.
واستعمل المصنف أل مكان الألف واللام وقد وقع ذلك في عبارة بعض المتقدمين وهو الخليل واستعمل المصنف مسند مكان الإسناد له.
بتا فعلت وأتت ويا أفعلي
ونون أقبلن فعل ينجلي22
ثم ذكر المصنف أن الفعل يمتاز عن الاسم والحرف بتاء فعلت والمراد بها تاء الفاعل وهي المضمومة للمتكلم نحو فعلت والمفتوحة للمخاطب نحو تباركت والمكسورة للمخاطبة نحو فعلت ويمتاز أيضا بتاء أتت والمراد بها تاء التأنيث الساكنة نحو نعمت وبئست فاحترزنا بالساكنة عن اللاحقة للأسماء فإنها تكون متحركة بحركة الإعراب نحو هذه مسلمة ورأيت مسلمة ومررت بمسلمة ومن اللاحقة للحرف نحو لات وربت وثمت23 وأما تسكينها مع رب وثم فقليل نحو: ربت وثمت.
ويمتاز أيضا بياء أفعلي والمراد بها ياء الفاعلة وتلحق فعل الأمر نحو اضربي والفعل المضارع نحو تضربين ولا تلحق الماضي.
وإنما قال المصنف يا أفعلي ولم يقل ياء الضمير لأن هذه تدخل فيها ياء المتكلم وهي لا تختص بالفعل بل تكون فيه نحو أكرمني وفى الاسم نحو غلامي وفى الحرف نحو إني بخلاف ياء افعلي فإن المراد بها ياء الفاعلة على ما تقدم وهي لا تكون إلا في الفعل ومما يميز الفعل نون أقبلن والمراد بها نون التوكيد خفيفة كانت أو ثقيلة فالخفيفة نحو قوله تعالى: ﴿لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ﴾ [العلق:15] والثقيلة نحو قوله تعالى: ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ﴾ [الأعراف:88]
فمعنى البيت ينجلي الفعل بتاء الفاعل وتاء التأنيث الساكنة وياء الفاعلة ونون التوكيد.
سواهما الحرف كهل وفي ولم
فعل مضارع يلي لم كيشم24
وماضي الأفعال بالتا مز وسم
بالنون فعل الأمر إن أمر فهم25
يشير إلى أن الحرف يمتاز عن الاسم والفعل بخلوه عن علامات الأسماء وعلامات الأفعال ثم مثل بهل وفي ولم منبها على أن الحرف ينقسم إلى قسمين مختص وغير مختص فأشار بهل إلى غير المختص وهو الذي يدخل على الأسماء والأفعال نحو هل زيد قائم وهل قام زيد وأشار بفي ولم إلى المختص وهو قسمان مختص بالأسماء كفي نحو زيد في الدار ومختص بالأفعال كلم نحو لم يقم زيد ثم شرع في تبيين أن الفعل ينقسم إلى ماض ومضارع وأمر فجعل علامة المضارع صحة دخول لم عليه كقولك في يشم لم يشم وفي يضرب لم يضرب وإليه أشار بقوله فعل مضارع يلي لم كيشم ثم أشار إلى ما يميز الفعل الماضي بقوله وماضي الأفعال بالتا مز أي ميز ماضي الأفعال بالتاء والمراد بها تاء الفاعل وتاء التأنيث الساكنة وكل منهما لا يدخل إلا على ماضي اللفظ نحو تباركت يا ذا الجلال والإكرام ونعمت المرأة هند وبئست المرأة دعد.
ثم ذكر في بقية البيت أن علامة فعل الأمر قبول نون التوكيد والدلالة على الأمر بصيغته نحو اضربن واخرجن فإن دلت الكلمة على الأمر ولم تقبل نون التوكيد فهي اسم فعل26 وإلى ذلك أشار بقوله:
والأمر إن لم يك للنون محل
فيه هو اسم نحو صه وحيهل27
فصه وحيهل اسمان وإن دلا على الأمر لعدم قبولهما نون التوكيد فلا تقول صهن ولا حيهلن وإن كانت صه بمعنى اسكت وحيهل بمعنى أقبل فالفارق28 بينهما قبول نون التوكيد وعدمه نحو اسكتن وأقبلن ولا يجوز ذلك في صه وحيهل.
هامش
" الكلام " خبر لمبتدأ محذوف على تقدير مضافين، وأصل نظم الكلام " هذا باب شرح الكلام وشرح ما يتألف الكلام منه " فحذف المبتدأ - وهو اسم الإشارة - ثم حذف الخبر وهو الباب، فأقيم " شرح " مقامه، فارتفع ارتفاعه، ثم حذف " شرح " أيضا وأقيم " الكلام " مقامه، فارتفع كما كان الذي قبله " وما " الواو عاطفة و" ما " اسم موصول معطوف على الكلام بتقدير مضاف: أي شرح ما يتألف، و" يتألف " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الكلام، و" منه " جار ومجرور متعلق بيتألف، والجملة من الفعل الذي هو يتألف والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.
" قال " فعل ماض " محمد " فاعل " هو " مبتدأ " ابن " خبره " مالك " مضاف إليه، وكان حق " ابن " أن يكون نعتا لمحمد، ولكنه قطعه عنه، وجعله خبرا لضميره، والأصل أن ذلك إنما يجوز إذا كان المنعوت معلوما بدون النعت حقيقة أو ادعاء، كما أن الأصل أنه إذا قطع النعت عن إتباعه لمنعوته في إعرابه ينظر، فإن كان النعت لمدح أو ذم وجب حذف العامل، وإن كان لغير ذلك جاز حذف العامل وذكره، والجملة هنا وهي قوله هو ابن مالك ليست للمدح ولا للذم، بل هي للبيان، فيجوز ذكر العامل وهو المبتدأ، وإذا فلا غبار على عبارة الناظم حيث ذكر العامل وهو المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب معترضة بين القول وقوله " أحمد " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " ربي " رب منصوب على التعظيم، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال آخر الكلمة بحركة المناسبة، ورب مضاف وياء المتكلم مضاف إليه مبني على السكون في محل جر " الله " عطف بيان لرب، أو بدل منه، منصوب بالفتحة الظاهرة " خير " منصوب بعامل محذوف وجوبا تقديره أمدح، وقيل: حال لازمة، وخير مضاف و" مالك " مضاف إليه، والجملة من أحمد وفاعله وما تعلق به من المعمولات في محل نصب مفعول به لقال ويقال لها: مقول القول.
" مصليا " حال مقدرة، ومعنى كونها مقدرة أنها تحدث فيما بعد، وذلك لأنه لا يصلى على النبي صلوات الله عليه في وقت حمده لله، وإنما تقع منه الصلاة بعد الانتهاء من الحمد، وصاحبها الضمير المستتر وجوبا في أحمد " على النبي " جار ومجرور متعلق بالحال " المصطفى " نعت للنبي، وهو مجرور بكسرة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر " وآله " الواو عاطفة، آل: معطوف على النبي، وآل مضاف، والهاء مضاف إليه، مبني على الكسر في محل جر " المستكملين " نعت لآل، مجرور بالياء المكسور ما قبلها المفتوح ما بعدها، لأنه جمع مذكر سالم، وفيه ضمير مستتر هو فاعله " الشرفا " بفتح الشين: مفعول به للمستكملين، منصوب بالفتحة الظاهرة، والألف للإطلاق، أو بضم الشين نعت ثان للآل، مجرور بكسرة مقدرة على الألف، إذ هو مقصور من الممدود - وأصله " الشرفاء " جمع شريف ككرماء وظرفاء وعلماء في جمع كريم وظريف وعليم - وعلى هذا الوجه يكون مفعول قوله المستكملين محذوفا، وكأنه قد قال: مصليا على الرسول المصطفى وعلى آله المستكملين أنواع الفضائل الشرفاء.
" وأستعين " الواو حرف عطف، أستعين: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " الله " منصوب على التعظيم، والجملة من الفعل وفاعله وما تعلق به من المعمولات في محل نصب معطوفة على الجملة السابقة الواقعة مفعولا به لقال " في ألفيه " جار ومجرور متعلق بأستعين " مقاصد " مبتدأ، ومقاصد مضاف و" النحو " مضاف إليه " بها " جار ومجرور متعلق بمحوية " محويه " خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره في محل جر نعت أول لألفية.
" تقرب " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى ألفية " الأقصى " مفعول به لتقرب " بلفظ " جار ومجرور متعلق بتقرب " موجز " نعت للفظ " وتبسط " الواو حرف عطف، تبسط: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى ألفية أيضا " البذل " مفعول به لتبسط " بوعد " جار ومجرور متعلق بتبسط " منجز " نعت لوعد، وجملتا الفعلين المضارعين اللذين هما " تقرب " و" تبذل " مع فاعليهما الضميرين المستترين وما يتعلق بكل منهما في محل جر عطف على الجملة الواقعة نعتا لألفية، والجملتان نعتان ثان وثالث لألفية.
" وتقتضي " الواو حرف عطف، تقتضي: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى ألفية " رضا " مفعول به لتقتضي " بغير " جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لرضا، وغير مضاف و" سخط " مضاف إليه " فائقة " حال من الضمير المستتر في تقتضي، وفاعل فائقة ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي " ألفية " مفعول به لاسم الفاعل، وألفية مضاف و" ابن " مضاف إليه، وابن مضاف و" معط " مضاف إليه، وجملة " تقتضي " مع فاعله وما تعلق به من المعمولات في محل جر عطف على الجملة الواقعة نعتا لألفية أيضا.
" وهو " الواو للاستئناف، وهو: ضمير منفصل مبتدأ " بسبق " جار ومجرور متعلق بحائز الآتي بعد، والباء للسببية " حائز " خبر المبتدأ " تفضيلا " مفعول به لحائز، وفاعله ضمير مستتر فيه " مستوجب " خبر ثان لهو، وفاعله ضمير مستتر فيه " ثنائي " ثناء: مفعول به لمستوجب، وثناء مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " الجميلا " نعت لثناء، والالف للاطلاق.
" والله " الواو للاستئناف، ولفظ الجلالة مبتدأ " يقضي " فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الله، والجملة من الفعل الذي هو يقضي والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ " بهبات " جار ومجرور متعلق بيقضي " وافره " نعت لهبات " لي، وله، في درجات " كل واحد منهن جار ومجرور وكلهن متعلقات بيقضي، ودرجات مضاف و" الأخرة مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة، وسكنه لاجل الوقوف، وكان من حق المسلمين عليه أن يعمهم بالدعاء، ليكون ذلك أقرب إلى الإجابة. تنبيه: ابن معط هو الشيخ زين الدين، أبو الحسين، يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور - الزواوي نسبة إلى زواوة، وهي قبيلة كبيرة كانت تسكن بظاهر بجاية من أعمال إفريقيا الشمالية - الفقيه الحنفي. ولد في سنة 564، وأقرأ العربية مدة بمصر ودمشق، وروى عن القاسم بن عساكر وغيره، وهو أجل تلامذة الجزولي، وكان من المتفردين بعلم العربية، وهو صاحب الألفية المشهورة وغيرها من الكتب الممتعة، وقد طبعت ألفيته في أوربا، وللعلماء عليها عدة شروح. وتوفى في شهر ذي القعدة من سنة 628 بمصر، وقبره قريب من تربة الإمام الشافعي رضي الله عنهم جميعا (انظر ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد 5 / 129، وفي بغية الوعاة للسيوطي ص 416، وانظر النجوم الزاهرة 6 / 278.
" كلامنا " كلام: مبتدأ، وهو مضاف ونا مضاف إليه، مبني على السكون في محل جر " لفظ " خبر المبتدأ " مفيد " نعت للفظ، وليس خبرا ثانيا " كاستقم " إن كان مثالا فهو جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كاستقم وإن كان من تمام تعريف الكلام فهو جار ومجرور أيضا متعلق بمحذوف نعت لمفيد " واسم " خبر مقدم " وفعل، ثم حرف " معطوفان عليه الأول بالواو والثاني بثم " الكلم " مبتدأ مؤخر، وكأنه قال: كلام النحاة هو اللفظ الموصوف بوصفين أحدهما الإفادة والثاني التركيب المماثل لتركيب استقم، والكلم ثلاثة أنواع أحدها الاسم وثانيها الفعل وثالثها الحرف، وإنما عطف الفعل على الاسم بالواو لقرب منزلته منه حيث يدل كل منهما على معنى في نفسه، وعطف الحرف بثم لبعد رتبته.
" واحده كلمة " مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب " والقول " مبتدأ " عم " يجوز أن يكون فعلا ماضيا، وعلى هذا يكون فاعله ضميرا مستترا فيه جوازا تقديره هو يعود إلى القول، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ، ويجوز أن يكون " عم " اسم تفضيل - وأصله أعم - حذفت همزته كما حذفت من خير وشر لكثرة استعمالهما وأصلهما أخير وأشر، بدليل مجيئهما على الأصل أحيانا، كما في قول الراجز: بلال خير الناس وابن الأخير وقد قرئ (سيعلمون غدا من الكذاب الأشر) بفتح الشين وتشديد الراء، وعلى هذا يكون أصل " عم " أعم كما قلنا، وهو على هذا الوجه خبر للمبتدأ " وكلمة " مبتدأ أول " بها " جار ومجرور متعلق بيؤم الآتي " كلام " مبتدأ ثان " قد " حرف تقليل " يؤم " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على كلام، والجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل رفع خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول، ومعنى " يؤم " يقصد، وتقدير البيت: ولفظ كلمة معنى الكلام قد يقصد بها، يعني أن لفظ الكلمة قد يطلق ويقصد بها المعنى الذي يدل عليه لفظ الكلام، ومثال ذلك ما ذكر الشارح من أنهم قالوا " كلمة الإخلاص " وقالوا " كلمة التوحيد " وأرادوا بذينك قولنا: " لا إله إلا الله " وكذلك قال عليه الصلاة والسلام: " أفضل كلمة قالها شاعر كلمة لبيد " وهو يريد قصيدة لبيد بن ربيعة العامري التي أولها: ألا كل شئ ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل
اسم الجنس على نوعين: أحدهما يقال له اسم جنس جمعي، والثاني يقال له اسم جنس إفرادي، فأما اسم الجنس الجمعي فهو " ما يدل على أكثر من اثنين، ويفرق بينه وبين واحده بالتاء "، والتاء غالبا تكون في المفرد كبقرة وبقر وشجرة وشجر، ومنه كلم وكلمة، وربما كانت زيادة التاء في الدال على الجمع مثل كمء للواحد وكمأة للكثير، وهو نادر.
وقد يكون الفرق بين الواحد والكثير بالياء، كزنج وزنجي، وروم ورومي، فأما اسم الجنس الافرادي فهو " ما يصدق على الكثير والقليل واللفظ واحد " كماء وذهب وخل وزيت.
فإن قلت: فإني أجد كثيرا من جموع التكسير يفرق بينها وبين مفردها بالتاء كما يفرق بين اسم الجنس الجمعي وواحده، نحو قرى وواحدة قرية، ومدى وواحدة مدية، فبماذا أفرق بين اسم الجنس الجمعي وما كان على هذا الوجه من الجموع؟.
فالجواب على ذلك أن تعلم أن بين النوعين اختلافا من وجهين، الوجه الأول: أن الجمع لابد أن يكون على زنة معينة من زنات الجموع المحفوظة المعروفة، فأما اسم الجنس الجمعي فلا يلزم فيه ذلك، أفلا ترى أن بقرا وشجرا وثمرا لا يوافق زنة من زنات الجمع! والوجه الثاني: أن الاستعمال العربي جرى على أن الضمير وما أشبهه يرجع إلى اسم الجنس الجمعي مذكرا كقول الله تعالى: (إن البقر تشابه علينا) وقوله جل شأنه: (إليه يصعد الكلم الطيب) فأما الجمع فإن الاستعمال العربي جرى على أن يعود الضمير إليه مؤنثا، كما تجد في قوله تعالى: (لهم غرف من فوقها غرف مبنية) وقوله سبحانه: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار) ، وكقول الشاعر: في غرف الجنة العليا التي وجبت لهم هناك بسعي كان مشكور
لم يكن هذا المثال ونحوه كلاما لأنه لا يفيد معنى يحسن السكوت عليه.
لم يكن هذا المثال ونحوه كلما لأنه ليس مؤلفا من ثلاث كلمات.
" بالجر " جار ومجرور متعلق بقوله " حصل " الآتي آخر البيت، ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف خبر مقدم مبتدؤه المؤخر هو قوله " تمييز " الآتي " والتنوين، والندا، وأل، ومسند " كلهن معطوفات على قوله الجر " للاسم " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم إن جعلت قوله بالجر متعلقا بحصل، فإن جعلت بالجر خبرا مقدما - وهو الوجه الثاني - كان هذا متعلقا بحصل " تمييز " مبتدأ مؤخر، وقد عرفت أن خبره واحد من اثنين " حصل " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى تمييز، والجملة في محل رفع نعت لتمييز، وتقدير البيت: التمييز الحاصل بالجر والتنوين والندا وأل والإسناد كائن للاسم، أو التمييز الحاصل للاسم عن أخويه الفعل والحرف كائن بالجر والتنوين والنداء وأل والإسناد: أي كائن بكل واحد من هذه الخمسة.
في نسخة " وهو أقسام " بدون ذكر العدد، والمراد - على ذكر العدد - أن المختص بالاسم أربعة أقسام.
ومنه قول الله تعالى: (قل كل يعمل على شاكلته) وقوله جل شأنه: (كل له قانتون) وقوله تباركت كلماته: (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك) ، ومثل كل في هذا الموضوع كلمة " بعض " ومن شواهد خذف المفرد الذي من حق " بعض " أن يضاف إليه والإتيان بالتنوين عوضا عنه قول رؤية بن العجاج في مطلع أرجوزة طويلة يمدح فيها تميما: داينت أروى والديون تقضى فمطلت بعضا وأدت بعضا يريد فمطلت بعض الدين وأدت بعضه الآخر.
هذا النوع خامس وقد ذكره وما بعده استطرادا.
هذا بيت من الطويل، لجرير بن عطية بن الخطفى، أحد الشعراء المجيدين، وثالث ثلاثة ألقيت إليهم مقادة الشعراء في عصر بني أمية، وأولهم الفرزدق، وثانيهم الاخطل.
اللغة: " أقلي " أراد منه في هذا البيت معنى اتركي، والعرب تستعمل القلة في معنى النفي بتة، يقولون: قل أن يفعل فلان كذا، وهم يريدون أنه لا يفعله أصلا " اللوم " العذل والتعنيف " عاذل " اسم فاعل مؤنث بالتاء المحذوفة للترخيم، وأصله عاذلة، من العذل وهو اللوم في تسخط، و" العتاب " التقريع على فعل شئ أو تركه.
المعنى: اتركي أيتها العاذلة هذا اللوم والتعنيف، فإني لن أستمع لما تطلبين: من الكف عما آتى من الامور، والفعل لما أذر منها، وخير لك أن تعترفي بصواب ما أفعل الإعراب: " أقلي " فعل أمر - من الاقلال - مسند للياء التي لمخاطبة الواحدة مبني على حذف النون، وياء المؤنثة المخاطبة فاعل، مبني على السكون في محل رفع " اللوم " مفعول به لاقلي " عاذل " منادى مرخم حذفت منه ياء النداء، مبني على ضم الحرف المحذوف في محل نصب، وأصله يا عاذلة " والعتابا " الواو عاطفة، العتابا: معطوف على اللوم " وقولي " فعل أمر، والياء فاعله " إن " حرف شرط " أصبت " فعل ماض فعل الشرط، وتاء المتكلم أو المخاطبة فاعله.
وهذا اللفظ يروى بضم الياء على أنها للمتكلم، وبكسرها على أنها للمخاطبة " لقد أصابا " جملة في محل نصب مقول القول، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله، والتقدير: إن أصبت فقولي لقد أصابا، وجملة الشرط وجوابه لا محل لها معترضة بين القول ومقوله.
الشاهد فيه: قوله: " والعتابن، وأصابن " حيث دخلهما، في الإنشاد، تنوين الترنم، وآخرهما حرف العلة، وهو هنا ألف الإطلاق، والقافية التي آخرها حرف علة تسمى مطلقة.
هذا البيت للنابغة الذبياني، أحد فحول شعراء الجاهلية، وثالث شعراء الطبقة الاولى منهم، والحكم في سوق عكاظ، من قصيدة له يصف فيها المنجردة زوج النعمان ابن المنذر، ومطلعها: من آل مية رائح أو مغتدي عجلان ذا زاد وغير مزود؟ اللغة: " رائح " اسم فاعل من راح يروح رواحا، إذا سار في وقت العشى " مغتدى " اسم فاعل من اغتدى الرجل يغتدى، إذا سار في وقت الغداة، وهي من الصبح إلى طلوع الشمس، وأراد بالزاد في قوله " عجلان ذا زاد " ما كان من تسليم مية عليه أوردها تحيته " أزف " دنا وقرب، وبابه طرب، ويروى " أفد " وهو بوزنه ومعناه " الترحل " الارتحال " تزل " - مضموم الزاي - مضارع زال، وأصله - تزول، فحذفت الواو - عند الجزم للتخلص من التقاء الساكنين.
المعنى: يقول في البيت الذي هو المطلع: أتمضي أيها العاشق مفارقا أحبابك اليوم مع العشى أو غدا مع الغداة؟ وهل يكون ذلك منك وأنت عجلان، تزودت منهم أو لم تنزود، ثم يقول في البيت الشاهد: لقد قرب موعد الرحيل، إلا أن الركاب لم تغادر مكان أحبابنا بما عليها من الرحال، وكأنها قد زالت لقرب موعد الفراق.
الإعراب: " أزف " فعل ماض " الترحل " فاعل " غير " نصب على الاستثناء " أن " حرف توكيد ونصب " ركابنا " ركاب: اسم أن، والضمير المتصل مضاف إليه " لما " حرف نفي وجزم " تزل " فعل مضارع مجزوم بلما " برحالنا " برحال: جار ومجرور متعلق بتزول، ورحال مضاف و" نا " مضاف إليه " كأن " حرف تشبيه ونصب، واسمها ضمير الشأن، وخبرها جملة محذوفة تقديرها " وكأن قد زالت " فحذف الفعل وفاعله المستتر فيه، وأبقى الحرف الذي هو قد.
الشاهد فيه: في هذا البيت شاهدان للنحاة، أولهما دخول التنوين الذي للترنم على الحرف، وهو قد، فذلك يدل على أن تنوين الترنم لا يختص بالاسم، لأن الشيء إذا اختص بشيء لم يجئ مع غيره، والثاني في تخفيف " كأن " التي للتشبيه، ومجيء اسمها ضمير الشأن، والفصل بينها وبين خبرها بقد، لان الكلام إثبات.
ولو كان نفيا لكان الفصل بلم، كما في قوله تعالى: (كأن لم يغنوا فيها) ومثل هذا البيت في الاستشهاد على ذلك قول الشاعر: لا يهولنك اصطلاء لظى الحرب، فمحذورها كأن قد ألما وسيأتي شرح ذلك في باب إن وأخواتها.
هذا البيت لرؤية بن العجاج، أحد الرجاز المشهورين، وأمضغهم للشيح والقيصوم، والذي أخذ عنه العلماء أكثر غريب اللغة، وكان في عصر بني أمية، وبعده: مشتبه الأعلام لماع الخفقن اللغة: " القاتم " كالأقتم: الذي تعلوه القتمة، وهي لون فيه غبرة وحمرة، و" أعماق " جمع عمق - بفتح العين، وتضم - وهو: ما بعد من أطراف الصحراء.
و" الخاوى " الخالى، و" المخترق " مهب الرياح، وهو اسم مكان من قولهم: خرق المفازة واخترقها، إذا قطعها ومر فيها، و" الأعلام " علامات كانوا يضعونها في الطريق للاهتداء بها، واحدها علم بفتح العين واللام جميعا، و" الخفق " اضطراب السراب، وهو الذي تراه نصف النهار كأنه ماء، وأصله بسكون الفاء، فحركها بالفتح ضرورة.
المعنى: كثير من الأمكنة التي لا يهتدى أحد إلى السير فيها لشدة التباسها وخفأئها قد أعملت فيها ناقتي وسرت فيها، يريد أنه شجاع شديد الاحتمال، أو أنه عظيم الخبرة بمسالك الصحراء. الإعراب: " وقاتم " الواو واو رب، قاتم: مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وقاتم مضاف و" الأعماق " مضاف إليه " خاوى " صفة لقاتم، وخاوى مضاف و" المخترق " مضاف إليه، مجرور بالكسرة الظاهرة، وسكنه لأجل الوقف، وخبر المبتدأ جملة من فعل ماض وفاعل في محل رفع، وذلك في قوله بعد أبيات: تنشطته كل مغلاة الوهق الشاهد فيه: قوله " المخترقن " و" الخفقن " حيث أدخل عليهما التنوين مع اقتران كل واحد منهما بأل، ولو كان هذا التنوين مما يختص بالاسم لم يلحق الاسم المقترن بأل، وإذا كان آخر الكلمة التي في آخر البيت حرفا صحيحا ساكنا كما هنا تسمى القافية حينئذ " قافية مقيدة ".
هذا الاعتراض لا يرد على الناظم، لان تسمية نون الترنم والنون التي تلحق القوافي المطلقة تنوينا إنما هي تسمية مجازية، وليست من الحقيقة التي وضع لها لفظ التنوين، فأنت لو أطلقت لفظ التنوين على المعنى الحقيقي الذي وضع له لم يشملهما، والأصل أن يحمل اللفظ على معناه الحقيقي، ولذلك نرى أنه لا غبار على كلام الناظم.
" بتا " جار ومجرور متعلق بينجلى الواقع هو وفاعله الضمير المستتر فيه في محل رفع خبرا عن المبتدأ، فإن قلت: يلزم تقديم معمول الخبر الفعلي على المبتدأ وهو لا يجوز، قلت: إن ضرورة الشعر هي التي ألجأته إلى ذلك، وإن المعمول لكونه جارا ومجرورا يحتمل فيه ذلك التقدم الذي لا يسوغ في غيره، وتا مضاف و" فعلت " قصد لفظه: مضاف إليه " وأتت " الواو حرف عطف، أتت: قصد لفظه أيضا: معطوف على فعلت " ويا " معطوف على تاء، ويا مضاف و" افعلي " مضاف إليه، وهو مقصود لفظه أيضا " ونون " الواو حرف عطف، نون: معطوف على تاء، وهو مضاف و" أقبلن " قصد لفظه: مضاف إليه " فعل " مبتدأ " ينجلى " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فعل، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ.
أما دخول التاء على " لا " فأشهر من أن يستدل عليه، بل قد استعملت " لات " حرف نفي بكثرة، وورد استعماله في فصيح الكلام، ومن ذلك قوله تعالى: (ولات حين مناص) وأما دخولها على رب ففي نحو قول الشاعر: وربت سائل عني حفي أعارت عينه أم لم تعارا ونحو قول الآخر: ماوي يا ربتما غارة شعواء كاللذعة بالميسم وأما دخولها على ثم ففي نحو قول الشاعر: ولقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت ثمت قلت لا يعنيني
" سواهما " سوى: خبر مقدم مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، وسوى مضاف والضمير مضاف إليه " الحرف " مبتدأ مؤخر، ويجوز العكس، لكن الأولي ما قدمناه " كهل " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير " وذلك كهل " " وفي ولم " معطوفان على هل " فعل " مبتدأ " مضارع " نعت له " يلي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على فعل مضارع، والجملة خبر المبتدأ " لم " مفعول به ليلى، وقد قصد لفظه " كيشم " جار ومجرور متعلق بمحذوف يقع خبرا لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كيشم، وتقدير البيت كله: الحرف سوى الاسم والفعل، وذلك كهل وفي ولم، والفعل المضارع يلي لم، وذلك كائن كيشم، ويشم فعل مضارع ماضيه قولك: شممت الطيب ونحوه - من باب فرح - إذا نشقته، وفيه لغة أخرى من باب نصر ينصر حكاها الفراء.
" وماضي " الواو للاستئناف، ماضي: مفعول به مقدم لقوله مز الآتي، وماضي مضاف و" الأفعال " مضاف إليه " بالتا " جار ومجرور متعلق بمز " مز " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " وسم " الواو عاطفة أو للاستئناف سم: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بالنون " جار ومجرور متعلق بسم " فعل " مفعول به لسم، وفعل مضاف و" الأمر " مضاف إليه " إن " حرف شرط " أمر " نائب فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده، وتقديره: إن فهم أمر " فهم " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على أمر، والجملة من الفعل ونائب فاعله لا محل لها من الإعراب تفسيرية، وجواب الشرط محذوف يدل عليه المذكور.
وتقديره " إن فهم أمر فسم بالنون إلخ ".
وتقدير البيت: ميز الماضي من الأفعال بقبول التاء التي ذكرنا أنها من علامات كون الكلمة فعلا، وعلم فعل الأمر بقبول النون إن فهم منه الطلب.
ومز: أمر من ماز الشيء يميزه ميزا مثل باع يبيع بيعا إذا ميزه، وسم: أمر من وسم الشيء يسمه وسما مثل وصفه يصفه وصفا إذا جعل له علامة يعرفه بها، والأمر قوله " إن أمر فهم " هو الأمر اللغوي، ومعناه الطلب الجازم على وجه الاستعلاء.
وكذا إذا دلت الكلمة على معنى الفعل المضارع ولم تقبل علامته وهي لم فإنها تكون اسم فعل مضارع، نحو أوه وأف، بمعنى أتوجع وأتضجر، وإن دلت الكلمة على معنى الفعل الماضي وامتنع قبولها علامته امتناعا راجعا إلى ذات الكلمة فإنها تكون اسم فعل ماض، نحو هيهات وشتان، بمعنى بعد وافترق، فإن كان امتناع قبول الكلمة الدالة على الماضي لا يرجع إلى ذات الكلمة، كما في فعل التعجب نحو: " ما أحسن السماء " وكما في " حبذا الاجتهاد " فإن ذلك لا يمنع من كون الكلمة فعلا.
" والأمر " الواو عاطفة أو للاستئناف، الأمر: مبتدأ " إن " حرف شرط " لم " حرف نفي وجزم " يك " فعل مضارع ناقص مجزوم بلم، وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة للتخفيف، وأصله يكن " للنون " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر يك مقدما " محل " اسمها مرفوع بالضمة الظاهرة، وسكن لأجل الوقف " فيه " جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لمحل " هو اسم " مبتدأ وخبر، والجملة منهما في محل جزم جواب الشرط، وإنما لم يجئ بالفاء للضرورة.
والجملة من الشرط وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ، أو تجعل جملة " هو اسم " في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو قوله الأمر في أول البيت، وتكون جملد جواب الشرط محذوفة دلت عليها جملة المبتدأ وخبره، والتقدير على هذا: والدال على الأمر هو اسم إن لم يكن فيه محل للنون فهو اسم، وحذف جواب الشرط عندما لا يكون فعل الشرط ماضيا ضرورة أيضا، فالبيت لا يخلو من الضرورة " نحو " خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك نحو، ونحو مضاف و" صه " مضاف إليه، وقد قصد لفظه " وحيهل " معطوف على صه.
ثلاثة فوائد - الأولي: أسماء الأفعال على ثلاثة أنواع، النوع الأول: ما هو واجب التنكير، وذلك نحو ويها وواها، والنوع الثاني: ما هو واجب التعريف، وذلك نحو نزال وتراك وبابهما، والثالث: ما هو جائز التنكير والتعريف، وذلك نحو صه ومه، فما نون وجوبا أو جوازا فهو نكرة، وما لم ينون فهو معرفة.
والفائدة الثانية: توافق أسماء الأفعال في ثلاثة أمور، أولها: الدلالة على المعنى، وثانيها: أن كل واحد من أسماء الأفعال يوافق الفعل الذي يكون بمعناه في التعدي واللزوم غالبا، وثالثها: أنه يوافق الفعل الذي بمعناه في إظهار الفاعل وإضماره، ومن غير الغالب في التعدي نحو " آمين " فإنه لم يحفظ في كلام العرب تعديه لمفعول، مع أنه بمعنى استجب وهو فعل متعد، وكذا " إيه " فإنه لازم مع أن الفعل الذي بمعناه وهو زدني متعد، وتخالفها في سبعة أمور، الأول: أنه لا يبرز معها ضمير، بل تقول " صه " بلفظ واحد للمفرد والمثنى والجمع المذكر والمؤنث، بخلاف " اسكت " فإنك تقول: اسكتي، واسكتا، واسكتوا، واسكتن، والثاني أنها لا يتقدم معمولها عليها، فلا تقول: " زيدا عليك " كما تقول: " محمدا الزم " والثالث أنه يجوز توكيد الفعل توكيدا لفظيا باسم الفعل، تقول: انزل نزال، وتقول: اسكت صه، كما تقول: انزل انزل، واسكت اسكت، ولا يجوز توكيد اسم الفعل بالفعل، والرابع: أن الفعل إذا دل على الطلب جاز نصب المضارع في جوابه، فتقول: انزل فأحدثك، ولا يجوز نصب المضارع في جواب اسم الفعل ولو كان دالا على الطلب كصه ونزال، والخامس: أن أسماء الأفعال لا تعمل مضمرة، بحيث تحذف ويبقى معمولها، ولا متأخرة عن معمولها، بل متى وجدت معمولا تقدم على اسم فعل تعين عليك تقدير فعل عامل فيه، فنحو قول الشاعر: يأيها المائح دلوي دونكا إني رأيت الناس يحمدونكا يقدر: خذ دلوى، ولا يجعل قوله: " دلوي " معمولا لدونكا الموجود، ولا لآخر مثله مقدر، على الأصح.
والسادس: أن أسماء الأفعال غير متصرفة، فلا تختلف أبنيتها لاختلاف الزمان، بخلاف الأفعال.
والسابع: أنها لا تقبل علامات الأفعال كالنواصب والجوازم ونون التوكيد وياء المخاطبة وتاء الفاعل، وهو ما ذكره الشارح في هذا الموضع، فاحفظ هذا كله، وكن منه على ثبت، والله يتولاك. الفائدة الثالثة، اختلف النحاة في أسماء الأفعال، فقال جمهور البصريين: هي أسما قامت مقام الأفعال في العمل، ولا تتصرف تصرف الأفعال بحيث تختلف أبنيتها لاختلاف الزمان، ولا تصرف الأسماء بحيث يسند إليها إسنادا معنويا فتقع مبتدأ وفاعلا، وبهذا فارقت الصفات كأسماء الفاعلين والمفعولين، وقال جمهور الكوفيين: إنها أفعال، لأنها تدل على الحدث والزمان، كل ما في الباب أنها جامدة لا تتصرف، فهي كليس وعسى ونحوهما، وقال أبو جعفر بن صابر: هي نوع خاص من أنواع الكلمة، فليست أفعالا وليست أسماء، لأنها لا تتصرف تصرف الأفعال ولا تصرف الأسماء، ولأنها لا تقبل علامة الأسماء ولا علامة الأفعال، وأعطاها أبو جعفر اسما خاصا بها حيث سماها " خالفة ".
===============================
المعرب والمبني
النكرة والمعرفة ←
ملاحظات: المعرب والمبني1
والاسم منه معرب ومبني
لشبه من الحروف مدني2
يشير إلى أن الاسم ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: المعرب وهو ما سلم من شبه الحروف.
والثاني: المبني وهو ما أشبه الحروف وهو المعني بقوله لشبه من الحروف مدني أي لشبه مقرب من الحروف فعلة البناء منحصرة عند المصنف رحمه الله تعالى في شبه الحرف.
ثم نوع المصنف وجوه الشبه في البيتين الذين بعد هذا البيت وهذا قريب من مذهب أبي علي الفارسي حيث جعل البناء منحصرا في شبه الحرف أو ما تضمن معناه وقد نص سيبويه رحمه الله على أن علة البناء كلها ترجع إلى شبه الحرف وممن ذكره ابن أبي الربيع.3
كالشبه الوضعي في اسمي جئتنا
والمعنوي في متى وفي هنا4
وكنيابة عن الفعل بلا
تأثر وكافتقار أصلا5
ذكر في هذين البيتين وجوه شبه الاسم بالحرف في أربعة مواضع:
فالأول: شبهه له في الوضع كأن يكون الاسم موضوعا على حرف. واحد كالتاء في ضربت أو على حرفين كنا في أكرمنا وإلى ذلك أشار بقوله في اسمي جئتنا فالتاء في جئتنا اسم لأنه فاعل وهو مبني لأنه أشبه الحرف في الوضع في كونه على حرف واحد وكذلك نا اسم لأنها مفعول وهو مبني لشبهه بالحرف في الوضع في كونه على حرفين 6.
والثاني: شبه الاسم له في المعنى وهو قسمان أحدهما ما أشبه حرفا موجودا والثاني ما أشبه حرفا غير موجود فمثال الأول متى فإنها مبنية لشبهها الحرف في المعنى فإنها تستعمل للاستفهام نحو متى تقوم وللشرط نحو متى تقم أقم وفي الحالتين هي مشبهة لحرف موجود لأنها في الاستفهام كالهمزة وفي الشرط كإن ومثال الثاني هنا فإنها مبنية لشبهها حرفا كان ينبغي أن يوضع فلم يوضع وذلك لأن الإشارة معنى من المعاني فحقها أن يوضع لها حرف يدل عليها كما وضعوا للنفي ما وللنهي لا وللتمني ليت وللترجي لعل ونحو ذلك فبنيت أسماء الإشارة لشبهها في المعنى حرفا مقدرا7 والثالث: شبهه له في النيابة عن الفعل وعدم التأثر بالعامل وذلك كأسماء الأفعال نحو دراك زيدا فدراك مبنى لشبهه بالحرف في كونه يعمل ولا يعمل فيه غيره 8 كما أن الحرف كذلك.
واحترز بقوله بلا تأثر عما ناب عن الفعل وهو متأثر بالعامل نحو ضربا زيدا فإنه نائب مناب اضرب وليس بمبني لتأثره بالعامل فإنه منصوب بالفعل المحذوف بخلاف دراك فإنه وإن كان نائبا عن أدرك فليس متأثرا بالعامل.
وحاصل ما ذكره المصنف أن المصدر الموضوع موضع الفعل وأسماء الأفعال اشتركا في النيابة مناب الفعل لكن المصدر متأثر بالعامل فأعرب لعدم مشابهته الحرف وأسماء الأفعال غير متأثرة بالعامل فبنيت لمشابهتها الحرف في أنها نائبة عن الفعل وغير متأثرة به وهذا الذي ذكره المصنف مبني على أن أسماء الأفعال لا محل لها من الإعراب والمسألة خلافية9 وسنذكر ذلك في باب أسماء الأفعال.
والرابع: شبه الحرف في الافتقار اللازم وإليه أشار بقوله وكافتقار أصلا وذلك كالأسماء الموصولة نحو الذي فإنها مفتقرة في سائر أحوالها إلى الصلة فأشبهت الحرف في ملازمة الافتقار فبنيت 10 وحاصل البيتين أن البناء يكون في ستة أبواب المضمرات وأسماء الشرط وأسماء الاستفهام وأسماء الإشارة وأسماء الأفعال والأسماء الموصولة.
ومعرب الأسماء ما قد سلما
من شبه الحرف كأرض وسما11
يريد أن المعرب خلاف المبني وقد تقدم أن المبني ما أشبه الحرف.
فالمعرب: ما لم يشبه الحرف وينقسم إلى صحيح وهو ما ليس آخره حرف علة كأرض وإلى معتل وهو ما آخره حرف علة كسما وسما لغة في الاسم وفيه ست لغات اسم بضم الهمزة وكسرها وسم بضم السين وكسرها وسما بضم السين وكسرها أيضا وينقسم المعرب أيضا إلى متمكن أمكن وهو المنصرف كزيد وعمرو وإلى متمكن غير أمكن وهو غير المنصرف نحو أحمد ومساجد ومصابيح، فغير المتمكن هو المبني والمتمكن هو المعرب وهو قسمان متمكن أمكن ومتمكن غير أمكن12.
وفعل أمر ومضي بنيا
وأعربوا مضارعا إن عريا13
من نون توكيد مباشر ومن
نون إناث كيرعن من فتن14
لما فرغ من بيان المعرب والمبني من الأسماء شرع في بيان المعرب والمبني من الأفعال ومذهب البصريين أن الإعراب أصل في الأسماء فرع في الأفعال 15 فالأصل في الفعل البناء عندهم وذهب الكوفيون إلى أن الإعراب أصل في الأسماء وفي الأفعال والأول هو الصحيح ونقل ضياء الدين بن العلج في البسيط أن بعض النحويين ذهب إلى أن الإعراب أصل في الأفعال فرع في الأسماء.
والمبني من الأفعال ضربان:
أحدهما: ما اتفق على بنائه وهو الماضي وهو مبني على الفتح16 نحو ضرب وانطلق ما لم يتصل به واو جمع فيضم أو ضمير رفع متحرك فيسكن.
والثاني: ما اختلف في بنائه والراجح أنه مبني وهو فعل الأمر نحو اضرب وهو مبني عند البصريين ومعرب عند الكوفيين17.
والمعرب من الأفعال هو المضارع ولا يعرب إلا إذا لم تتصل به نون التوكيد أو نون الإناث فمثال نون التوكيد المباشرة هل تضربن والفعل معها مبني على الفتح ولا فرق في ذلك بين الخفيفة والثقيلة18 فإن لم تتصل به لم يبن وذلك كما إذا فصل بينه وبينها ألف اثنين نحو هل تضربان وأصله هل تضربانن فاجتمعت ثلاث نونات فحذفت الأولى وهى نون الرفع كراهة توالي الأمثال فصار هل تضربان19.
وكذلك يعرب الفعل المضارع إذا فصل بينه وبين نون التوكيد واو جمع أو ياء مخاطبة نحو هل تضربن يا زيدون وهل تضربن يا هند وأصل تضربن تضربونن فحذفت النون الأولى لتوالي الأمثال كما سبق فصار تضربون فحذفت الواو لالتقاء الساكنين فصار تضربن وكذلك تضربن أصله تضربينن ففعل به ما فعل بتضربونن.
وهذا هو المراد بقوله وأعربوا مضارعا إن عريا من نون توكيد مباشر فشرط في إعرابه أن يعرى من ذلك ومفهومه أنه إذا لم يعر منه يكون مبنيا فعلم أن مذهبه أن الفعل المضارع لا يبنى إلا إذا باشرته نون التوكيد نحو هل تضربن يا زيد فإن لم تباشره أعرب وهذا هو مذهب الجمهور.
وذهب الأخفش إلى أنه مبني مع نون التوكيد سواء اتصلت به نون التوكيد أو لم تتصل ونقل عن بعضهم أنه معرب وإن اتصلت به نون التوكيد ومثال ما اتصلت به نون الإناث الهندات يضربن والفعل معها مبني على السكون ونقل المصنف رحمه الله تعالى في بعض كتبه أنه لا خلاف في بناء الفعل المضارع مع نون الإناث وليس كذلك بل الخلاف موجود وممن نقله الأستاذ أبو الحسن بن عصفور في شرح الإيضاح20.
وكل حرف مستحق للبنا
والأصل في المبني أن يسكنا21
ومنه ذو فتح وذو كسر وضم
كأين أمس حيث والساكن كم22
الحروف كلها مبنية إذ لا يعتورها ما تفتقر في دلالتها عليه إلى إعراب نحو أخذت من الدراهم فالتبعيض مستفاد من لفظ من بدون الإعراب والأصل في البناء أن يكون على السكون لأنه أخف من الحركة ولا يحرك المبني إلا لسبب كالتخلص من التقاء الساكنين وقد تكون الحركة فتحة كأين وقام وإنّ وقد تكون كسرة كأمس وجير وقد تكون ضمة كحيث وهو اسم ومنذ وهو حرف إذا جررت به وأما السكون فنحو وعلم مما مثلنا به أن البناء على الكسر والضم لا يكون في الفعل بل في الاسم والحرف وأن البناء على الفتح أو السكون يكون في الاسم والفعل والحرف23. "كم واضرب وأجل".
والرفع والنصب اجعلن إعرابا
لاسم وفعل نحو لن أهابا24
والاسم قد خصص بالجر
كما قد خصص الفعل بأن ينجزما25
فارفع بضم وانصبن فتحا وجر
كسرا كذكر الله عبده يسر26
واجزم بتسكين وغير ما ذكر
ينوب نحو جا أخو بني نمر27
أنواع الإعراب أربعة: الرفع والنصب والجر والجزم.
فأما الرفع والنصب فيشترك فيهما الأسماء والأفعال نحو زيد يقوم وإن زيدا لن يقوم وأما الجر فيختص بالأسماء نحو بزيد وأما الجزم فيختص بالأفعال نحو لم يضرب والرفع يكون بالضمة والنصب يكون بالفتحة والجر يكون بالكسرة والجزم يكون بالسكون وما عدا ذلك يكون نائبا عنه كما نابت الواو عن الضمة في أخو والياء عن الكسرة في بني من قوله جاء أخو بني نمر وسيذكر بعد هذا مواضع النيابة.
وارفع بواو وانصبن بالألف
واجرر بياء ما من الأسما أصف28
شرع في بيان ما يعرب بالنيابة عما سبق ذكره والمراد بالأسماء التي سيصفها الأسماء الستة وهي أب وأخ وحم وهن وفوه وذو مال فهذه ترفع بالواو نحو جاء أبو زيد وتنصب بالألف نحو رأيت أباه وتجر بالياء نحو مررت بأبيه والمشهور أنها معربة بالحروف فالواو نائبة عن الضمة والألف نائبة عن الفتحة والياء نائبة عن الكسرة وهذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله وارفع بواو إلى آخر البيت والصحيح أنها معربة بحركات مقدرة على الواو والألف والياء فالرفع بضمة مقدرة على الواو والنصب بفتحة مقدرة على الألف والجر بكسرة مقدرة على الياء فعلى هذا المذهب الصحيح لم ينب شيء عن شيء مما سبق ذكره29:
من ذاك ذو إن صحبة أبانا
والفم حيث الميم منه بانا30
أي من الأسماء التي ترفع بالواو وتنصب بالألف وتجر بالياء ذو وفم ولكن يشترط في ذو أن تكون بمعنى صاحب نحو جاءني ذو مال أي صاحب مال وهو المراد بقوله إن صحبة أبانا أي إن أفهم صحبة واحترز بذلك عن ذو الطائية فإنها لا تفهم صحبة بل هي بمعنى الذي فلا تكون مثل ذي بمعنى صاحب بل تكون مبنية وآخرها الواو رفعا ونصبا وجرا نحو جاءني ذو قام ورأيت ذو قام ومررت بذو قام ومنه قوله:
فإما كرام موسرون لقيتهم
فحسبي من ذو عندهم ما كفانيا31
وكذلك يشترط في إعراب الفم بهذه الأحرف زوال الميم منه نحو هذا فوه ورأيت فاه ونظرت إلى فيه وإليه أشار بقوله والفم حيث الميم منه بانا أي انفصلت منه الميم أي زالت منه فإن لم تزل منه أعرب بالحركات نحو هذا فم ورأيت فما ونظرت إلى فم.
أب أخ حم كذاك وهن
والنقص في هذا الأخير أحسن32
وفي أب وتالييه يندر
وقصرها من نقصهن أشهر33
يعني أن أبا وأخا وحما تجري مجرى ذو وفم اللذين سبق ذكرها فترفع بالواو وتنصب بالألف وتجر بالياء نحو هذا أبوه وأخوه وحموها ورأيت أباه وأخاه وحماها ومررت بأبيه وأخيه وحميها وهذه هي اللغة المشهورة في هذه الثلاثة وسيذكر المصنف في هذه الثلاثة لغتين أخريين.
وأما هن فالفصيح فيه أن يعرب بالحركات الظاهرة على النون ولا يكون في آخره حرف علة نحو هذا هن زيد ورأيت هن زيد ومررت بهن زيد34 وإليه أشار بقوله والنقص في هذا الأخير أحسن أي النقص في هن أحسن من الإتمام والإتمام جائز لكنه قليل جدا هذا هنوه ورأيت هناه ونظرت إلى هنيه وأنكر الفراء جواز إتمامه وهو محجوج بحكاية سيبويه الإتمام عن العرب ومن حفظ حجة على من لم يحفظ وأشار المصنف بقوله وفي أب وتالييه يندر إلى آخر البيت إلى اللغتين الباقيتين في أب وتالييه وهما أخ وحم فإحدى اللغتين النقص وهو حذف الواو والألف والياء والإعراب بالحركات الظاهرة على الباء والخاء والميم نحو هذا أبه وأخه وحمها ورأيت أبه وأخه وحمها ومررت بأبه وأخه وحمها وعليه قوله:
بأبه اقتدى عدي في الكرم
ومن يشابه أبه فما ظلم35
وهذه اللغة نادرة في أب وتالييه ولهذا قال وفي أب وتالييه يندر أي: يندر النقص.
واللغة الأخرى في أب وتالييه أن يكون بالألف رفعا ونصبا وجرا نحو هذا أباه وأخاه وحماها ورأيت أباه وأخاه وحماها ومررت بأباه وأخاه وحماها وعليه قول الشاعر:
إنّ أباها وأبا أباها
قد بلغا في المجد غايتاها36
فعلامة الرفع والنصب والجر حركة مقدرة على الألف كما تقدر في المقصور وهذه اللغة أشهر من النقص.
وحاصل ما ذكره أن في أب وأخ وحم ثلاث لغات أشهرها أن تكون بالواو والألف والياء والثانية أن تكون بالألف مطلقا 37 والثالثة أن تحذف منها الأحرف الثلاثة وهذا نادر وأن في هن لغتين إحداهما النقص وهو الأشهر والثانية الإتمام وهو قليل.
وشرط ذا الإعراب أن يضفن لا
لليا كجا أخو أبيك ذا اعتلا38
ذكر النحويون لإعراب هذه الأسماء بالحروف شروطا أربعة:
أحدها: أن تكون مضافة واحترز بذلك من ألا تضاف فإنها حينئذ تعرب بالحركات الظاهرة نحو هذا أب ورأيت أبا ومررت بأب.
الثاني: أن تضاف إلى غير ياء المتكلم نحو هذا أبو زيد وأخوه وحموه فإن أضيفت إلى ياء المتكلم أعربت بحركات مقدرة نحو هذا أبي ورأيت أبي ومررت بأبي ولم تعرب بهذه الحروف وسيأتي ذكر ما تعرب به حينئذ.
الثالث: أن تكون مكبرة واحترز بذلك من أن تكون مصغرة فإنها حينئذ تعرب بالحركات الظاهرة نحو هذا أبي زيد وذوي مال ورأيت أبي زيد وذوي مال ومررت بأبي زيد وذوي مال.
الرابع: أن تكون مفردة واحترز بذلك من أن تكون مجموعة أو مثناة فإن كانت مجموعة أعربت بالحركات الظاهرة 39 نحو هؤلاء آباء الزيدين ورأيت آباءهم ومررت بآبائهم وإن كانت مثناة أعربت إعراب المثنى بالألف رفعا وبالياء جرا ونصبا نحو هذان أبوا زيد ورأيت أبويه ومررت بأبويه.
ولم يذكر المصنف رحمه الله تعالى من هذه الأربعة سوى الشرطين الأولين ثم أشار إليهما بقوله وشرط ذا الإعراب أن يضفن لا لياء أي شرط إعراب هذه الأسماء بالحروف أن تضاف إلى غير ياء المتكلم فعلم من هذا أنه لا بد من إضافتها وأنه لا بد أن تكون إضافتها إلى غير ياء المتكلم ويمكن أن يفهم الشرطان الآخران من كلامه وذلك أن الضمير في قوله يضفن راجع إلى الأسماء التي سبق ذكرها وهو لم يذكرها إلا مفردة مكبرة فكأنه قال وشرط ذا الإعراب أن يضاف أب وإخوته المذكورة إلى غير ياء المتكلم.
واعلم أن ذو لا تستعمل إلا مضافة ولا تضاف إلى مضمر بل إلى اسم جنس ظاهر غير صفة نحو جاءني ذو مال فلا يجوز جاءني ذو قائم.
بالألف ارفع المثنى وكلا
إذا بمضمر مضافا وصلا40
كلتا كذاك اثنان واثنتان
كابنين وابنتين يجريان41
وتخلف الياء في جميعها الألف
جرا ونصبا بعد فتح قد ألف42
ذكر المصنف رحمه الله تعالى أن مما تنوب فيه الحروف عن الحركات الأسماء الستة وقد تقدم الكلام عليها ثم ذكر المثنى وهو مما يعرب بالحروف وحده لفظ دال على اثنين بزيادة في آخره صالح للتجريد وعطف مثله عليه فيدخل في قولنا لفظ دال على اثنين المثنى نحو الزيدان والألفاظ الموضوعة لاثنين نحو شفع وخرج بقولنا 43 بزيادة نحو شفع وخرج بقولنا صالح للتجريد نحو اثنان فإنه لا يصلح لإسقاط الزيادة منه فلا تقول اثن وخرج بقولنا وعطف مثله عليه ما صلح للتجريد وعطف غيره عليه كالقمرين فإنه صالح للتجريد فتقول قمر ولكن يعطف عليه مغايره لأمثله نحو قمر وشمس وهو المقصود بقولهم القمرين وأشار المصنف بقوله بالألف ارفع المثنى وكلا إلى أن المثنى يرفع بالألف وكذلك شبه المثنى وهو كل ما لا يصدق عليه حد المثنى وأشار إليه المصنف بقوله وكلا فما لا يصدق عليه حد المثنى مما دل على اثنين بزيادة أو شبهها فهو ملحق بالمثنى فكلا وكلتا واثنان واثنتان ملحقة بالمثنى لأنها لا يصدق عليها حد المثنى ولكن لا يلحق كلا وكلتا بالمثنى إلا إذا أضيفا إلى مضمر نحو جاءني كلاهما ورأيت كليهما ومررت بكليهما وجاءتني كلتاهما ورأيت كلتيهما ومررت بكلتيهما فإن أضيفا إلى ظاهر كانا بالألف رفعا ونصبا وجرا نحو جاءني كلا الرجلين وكلتا المرأتين ورأيت كلا الرجلين وكلتا المرأتين ومررت بكلا الرجلين وكلتا المرأتين فلهذا قال المصنف وكلا إذا بمضمر مضافا وصلا.44
ثم بين أن اثنين واثنتين يجريان مجرى ابنين وابنتين فاثنان واثنتان ملحقان بالمثنى كما تقدم وابنان وابنتان مثنى حقيقة ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى أن الياء تخلف الألف في المثنى والملحق به في حالتي الجر والنصب وأن ما قبلها لا يكون إلا مفتوحا نحو رأيت الزيدين كليهما ومررت بالزيدين كليهما واحترز بذلك عن ياء الجمع فإن ما قبلها لا يكون إلا مكسورا نحو مررت بالزيدين وسيأتي ذلك وحاصل ما ذكره أن المثنى وما ألحق به يرفع بالألف وينصب ويجر بالياء وهذا هو المشهور والصحيح أن الإعراب في المثنى والملحق به بحركة مقدرة على الألف رفعا والياء نصبا وجرا.
وما ذكره المصنف من أن المثنى والملحق به يكونان بالألف رفعا والياء نصبا وجرا هو المشهور في لغة العرب ومن العرب 45 من يجعل المثنى والملحق به بالألف مطلقا رفعا ونصبا وجرا فيقول جاء الزيدان كلاهما ورأيت الزيدان كلاهما ومررت بالزيدان كلاهما
وارفع بواو وبيا اجرر وانصب
سالم جمع عامر ومذنب46
ذكر المصنف قسمين يعربان بالحروف أحدهما الأسماء الستة والثاني المثنى وقد تقدم الكلام عليهما ثم ذكر في هذا البيت القسم الثالث وهو جمع المذكر السالم وما حمل عليه وإعرابه بالواو رفعا وبالياء نصبا وجرا وأشار بقوله عامر ومذنب إلى ما يجمع هذا الجمع وهو قسمان جامد وصفة. فيشترط في الجامد أن يكون علما لمذكر عاقل خاليا من تاء التأنيث ومن التركيب فإن لم يكن علما لم يجمع بالواو والنون فلا يقال في رجل رجلون نعم إذا صغر جاز ذلك نحو رجيل ورجيلون لأنه وصف 47 وإن كان علما لغير مذكر لم يجمع بهما فلا يقال في زينب زينبون وكذا إن كان علما لمذكر غير عاقل فلا يقال في لاحق اسم فرس لاحقون وإن كان فيه تاء التأنيث فكذلك لا يجمع بهما فلا يقال في طلحة طلحون وأجاز ذلك الكوفيون 48 وكذلك إذا كان مركبا فلا يقال في سيبويه سيبويهون وأجازه بعضهم. ويشترط في الصفة أن تكون صفة لمذكر عاقل خالية من تاء التأنيث ليست من باب أفعل فعلاء ولا من بان فعلان فعلى ولا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث فخرج بقولنا صفة لمذكر ما كان صفة لمؤنث فلا يقال في حائض حائضون وخرج بقولنا عاقل ما كان صفة لمذكر غير عاقل فلا يقال في سابق صفة فرس سابقون وخرج بقولنا خالية من تاء التأنيث ما كان صفة لمذكر عاقل ولكن فيه تاء التأنيث نحو علامة فلا يقال فيه علامون وخرج بقولنا ليست من باب أفعل فعلاء ما كان كذلك نحو أحمر فإن مؤنثه حمراء فلا يقال فيه أحمرون وكذلك ما كان من باب فعلان فعلى نحو سكران وسكرى فلا يقال سكرانون وكذلك إذا استوى في الوصف المذكر والمؤنث نحو صبور وجريح فإنه يقال رجل صبور وامرأة صبور ورجل جريح وامرأة جريح فلا يقال في جمع المذكر السالم صبورون ولا جريحون وأشار المصنف رحمه الله إلى الجامد الجامع للشروط التي سبق ذكرها بقوله عامر فإنه علم لمذكر عاقل خال من تاء التأنيث ومن التركيب فيقال فيه عامرون.
وأشار إلى الصفة المذكورة أولا بقوله ومذنب فإنه صفة لمذكر عاقل خالية من تاء التأنيث وليست من باب أفعل فعلاء ولا من باب فعلان فعلى ولا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث فيقال فيه مذنبون.
وشبه ذين وبه عشرونا
وبابه ألحق والأهلونا49
أولو وعالمون عليونا
وأرضون شذ والسنونا50
وبابه ومثل حين قد يرد
ذا الباب وهو عند قوم يطرد51
أشار المصنف رحمه الله بقوله وشبه ذين إلى شبه عامر وهو كل علم مستجمع للشروط السابق ذكرها كمحمد وإبراهيم فتقول محمدون وإبراهيمون وإلى شبه مذنب وهو كل صفة اجتمع فيها الشروط كالأفضل والضراب ونحوهما فتقول الأفضلون والضرابون وأشار بقوله وبه عشرون إلى ما ألحق بجمع المذكر السالم في إعرابه بالواو رفعا وبالياء جرا ونصبا.
وجمع المذكر السالم هو ما سلم فيه بناء الواحد ووجد فيه الشروط التي سبق ذكرها فمالا واحد له من لفظه أوله واحد غير مستكمل للشروط فليس بجمع مذكر سالم بل هو ملحق به فعشرون وبابه وهو ثلاثون إلى تسعين ملحق بجمع المذكر السالم لأنه لا واحد له من لفظه إذ لا يقال عشر وكذلك أهلون ملحق به لأن مفرده وهو أهل ليس فيه الشروط المذكورة 52 لأنه اسم جنس جامد كرجل وكذلك أولو لأنه لا واحد له من لفظه وعالمون جمع عالم وعالم كرجل اسم جنس جامد وعليون اسم لأعلى الجنة وليس فيه الشروط المذكورة لكونه لما لا يعقل وأرضون جمع أرض وأرض اسم جنس جامد مؤنث والسنون جمع سنة والسنة اسم جنس مؤنث فهذه كلها ملحقة بالجمع المذكر لما سبق من أنها غير مستكملة للشروط.
وأشار بقوله وبابه إلى باب سنة وهو كل اسم ثلاثي حذفت لامه وعوض عنها هاء التأنيث ولم يكسر كمائة ومئتين وثبة وثبين وهذا الاستعمال شائع في هذا ونحوه فإن كسر كشفة وشفاه لم يستعمل كذلك إلا شذوذوا كظبة فإنهم كسروه على ظباة وجمعوه أيضا بالواو رفعا وبالياء نصبا وجرا فقالوا ظبون وظبين.
وأشار بقوله: ومثل حين قد يرد ذا الباب إلى أن سنين 53 ونحوه قد تلزمه الياء ويجعل الإعراب على النون فتقول هذه سنين ورأيت سنينا ومررت بسنين وإن شئت حذفت التنوين وهو أقل من إثباته واختلف في اطراد هذا والصحيح أنه لا يطرد وأنه مقصور على السماع ومنه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف في إحدى الروايتين ومثله قول الشاعر:
دعاني من نجد فإن سنينه
لعبن بنا شيبا وشيبننا مردا54
الشاهد فيه: إجراء السنين مجرى الحين في الإعراب بالحركات وإلزام النون مع الإضافة.
ونون مجموع وما به التحق
فافتح وقل من بكسره نطق55
ونون ما ثني والملحق به
بعكس ذاك استعملوه فانتبه56
حق نون الجمع وما ألحق به الفتح وقد تكسر شذوذا ومنه قوله:
عرفنا جعفرا وبني أبيه
وأنكرنا زعانف آخرين57
وقوله:
أكل الدهر حل وارتحال
أما يبقي علي ولا يقيني؟!
وماذا تبتغي الشعراء مني
وقد جاوزت حد الأربعين؟58
وليس كسرها لغة خلافا لمن زعم ذلك. وحق نون المثنى والملحق به الكسر وفتحها لغة ومنه قوله:
على أحوذيين استقلت عشية
فما هي إلا لمحة وتغيب59
وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى أن فتح النون في التثنية ككسر نون الجمع في القلة وليس كذلك بل كسرها في الجمع شاذ وفتحها في التثنية لغة كما قدمناه وهل يختص الفتح بالياء أو يكون فيها وفي الألف؟ قولان وظاهر كلام المصنف الثاني60.
ومن الفتح مع الألف قول الشاعر:
أعرف منها الجيد والعينانا
ومنخرين أشبها ظبيانا61
وقد قيل إنه مصنوع62 فلا يحتج به.
وما بتا وألف قد جمعا
يكسر في الجر وفي النصب معا63
لما فرغ من الكلام على الذي تنوب فيه الحروف عن الحركات شرع في ذكر ما نابت فيه حركة عن حركة وهو قسمان:
أحدهما: جمع المؤنث السالم نحو مسلمات وقيدنا ب السالم احترازا عن جمع التكسير وهو ما لم يسلم فيه بناء واحده نحو هنود وأشار إليه المصنف رحمه الله تعالى! بقوله: "وما بتا وألف قد جمعا أي جمع بالألف والتاء المزيدتين فخرج نحو قضاة 64 فإن ألفه غير زائدة بل هي منقلبة عن أصل وهو الياء لأن أصله قضية ونحو أبيات 65 فإن تاءه أصلية والمراد منه ما كانت الألف والتاء سببا في دلالته على الجمع نحو هندات فاحترز بذلك عن نحو قضاة وأبيات فإن كل واحد منهما جمع ملتبس بالألف والتاء وليس مما نحن فيه لأن دلالة كل واحد منهما على الجمع ليس بالألف والتاء وإنما هو بالصيغة فاندفع بهذا التقرير الاعتراض على المصنف بمثل قضاة وأبيات وعلم أنه لا حاجة إلى أن يقول بألف وتاء مزيدتين فالباء في قوله بتا متعلقة بقوله جمع. وحكم هذا الجمع أن يرفع بالضمة وينصب ويجر بالكسرة نحو جاءني هندات ورأيت هندات ومررت بهندات فنابت فيه الكسرة عن الفتحة وزعم بعضهم أنه مبني في حالة النصب وهو فاسد إذ لا موجب لبنائه66.
كذا أولات والذي اسما قد جعل
كأذرعات فيه ذا أيضا قبل67
أشار بقوله كذا أولات إلى أن أولات تجرى مجرى جمع المؤنث السالم في أنها تنصب بالكسرة وليست بجمع مؤنث سالم بل هي ملحقة به وذلك لأنها لا مفرد لها من لفظها.
ثم أشار بقوله والذي اسما قد جعل إلى أن ما سمي به من هذا الجمع والملحق به نحو أذرعات ينصب بالكسرة كما كان قبل التسمية به ولا يحذف منه التنوين نحو هذه أذرعات ورأيت أذرعات ومررت بأذرعات هذا هو المذهب الصحيح وفيه مذهبان آخران أحدهما أنه يرفع بالضمة وينصب ويجر بالكسرة ويزال منه التنوين نحو هذه أذرعات ورأيت أذرعات ومررت بأذرعات والثاني أنه يرفع بالضمة وينصب ويجر بالفتحة ويحذف منه التنوين نحو: "هذه أذرعات ورأيت أذرعات ومررت بأذرعات"، ويروى قوله:
تنورتها من أذرعات وأهلها
بيثرب أدنى دارها نظر عالي68
بكسر التاء منونة كالمذهب الأول وبكسرها بلا تنوين كالمذهب الثاني وبفتحها بلا تنوين كالمذهب الثالث.
وجر بالفتحة ما لا ينصرف
ما لم يضف أو يك بعد أل ردف69
أشار بهذا البيت إلى القسم الثاني مما ناب فيه حركة عن حركة وهو الاسم الذي لا ينصرف وحكمه أنه يرفع بالضمة نحو جاء أحمد وينصب بالفتحة نحو رأيت أحمد ويجر بالفتحة أيضا نحو مررت بأحمد فنابت الفتحة عن الكسرة هذا إذا لم يضف أو يقع بعد الألف واللام فإن أضيف جر بالكسرة نحو مررت بأحمدكم وكذا إذا دخله الألف واللام نحو مررت بالأحمد 70 فإنه يجر بالكسرة 71.
واجعل لنحو يفعلان النونا
رفعا وتدعين وتسألونا72
وحذفها للجزم والنصب سمه
كلم تكوني لترومي مظلمه73
لما فرغ من الكلام على ما يعرب من الأسماء بالنيابة شرع في ذكر ما يعرب من الأفعال بالنيابة وذلك الأمثلة الخمسة فأشار بقوله يفعلان إلى كل فعل اشتمل على ألف اثنين سواء كان في أوله الياء نحو يضربان أو التاء نحو تضربان وأشار بقوله وتدعين إلى كل فعل اتصل به ياء مخاطبة نحو أنت تضربين وأشار بقوله وتسألون إلى كل فعل اتصل به واو الجمع نحو أنتم تضربون سواء كان في أوله التاء كما مثل أو الياء نحو الزيدون يضربون. فهذه الأمثلة الخمسة وهي يفعلان وتفعلان ويفعلون وتفعلون وتفعلين ترفع بثبوت النون وتنصب وتجزم بحذفها فنابت النون فيه عن الحركة التي هي الضمة نحو الزيدان يفعلان فيفعلان فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون وتنصب وتجزم بحذفها نحو: الزيدان لن يقوما ولم يخرجا فعلامة النصب والجزم سقوط النون من يقوما ويخرجا ومنه قوله تعالى ﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ﴾ [البقرة:24].
وسم معتلا من الأسماء ما
كالمصطفى والمرتقي مكارما74
فالأول الإعراب فيه قدرا
جميعه وهو الذي قد قصرا75
والثان منقوص ونصبه ظهر
ورفعه ينوى كذا أيضا يجر76
شرع في ذكر إعراب المعتل من الأسماء والأفعال فذكر أن ما كان مثل المصطفى والمرتقي يسمى معتلا وأشار بالمصطفى إلى ما في آخره ألف لازمة قبلها فتحة مثل عصا ورحى وأشار بالمرتقي إلى ما في آخره ياء مكسور ما قبلها نحو القاضي والداعي ثم أشار إلى أن ما في آخره ألف مفتوح ما قبلها يقدر فيه جميع حركات الإعراب الرفع والنصب والجر وأنه يسمى المقصور فالمقصور هو: الاسم المعرب الذي في آخره ألف لازمة فاحترز بالاسم من الفعل نحو يرضى وبالمعرب من المبني نحو إذا وبالألف من المنقوص نحو القاضي كما سيأتي وبلازمة من المثنى في حالة الرفع نحو الزيدان فإن ألفه لا تلزمه إذ تقلب ياء في الجر والنصب نحو رأيت الزيدين.
وأشار بقوله والثاني منقوص إلى المرتقي فالمنقوص هو: الاسم المعرب الذي آخره ياء لازمة قبلها كسرة نحو المرتقي فاحترز بالاسم عن الفعل نحو يرمي وبالمعرب عن المبني نحو الذي وبقولنا "قبلها كسرة" عن التي قبلها سكون نحو ظبي ورمي فهذا معتل جار مجرى الصحيح في رفعه بالضمة ونصبه بالفتحة وجره بالكسرة وحكم هذا المنقوص أنه يظهر فيه النصب 77 نحو رأيت القاضي وقال الله تعالى ﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ﴾ [الأحقاف:31] ويقدر فيه الرفع والجر لثقلهما على الياء 78
نحو جاء القاضي ومررت بالقاضي فعلامة الرفع ضمة مقدرة على الياء وعلامة الجر كسرة مقدرة على الياء.
وعلم مما ذكر أن الاسم لا يكون في آخره واو قبلها ضمة نعم إن كان مبنيا وجد ذلك فيه نحو هو ولم يوجد ذلك في المعرب إلا في الأسماء الستة في حالة الرفع نحو جاء أبوه وأجاز ذلك الكوفيون في موضعين آخرين أحدهما: ما سمي به من الفعل نحو يدعو ويغزو والثاني: ما كان أعجميا نحو سمندو وقمندو.
وأي فعل آخر منه ألف
أو واو أو ياء فمعتلا عرف79
أشار إلى أن المعتل من الأفعال هو ما كان في آخره واو قبلها ضمة نحو يغزو أو ياء قبلها كسرة نحو يرمى أو ألف قبلها فتحة نحو يخشى.
فالألف انو فيه غير الجزم
وأبد نصب ما كيدعو يرمي80
والرفع فيهما انو واحذف جازما
ثلاثهن تقض حكما لازما81
ذكر في هذين البيتين كيفية الإعراب في الفعل المعتل فذكر أن الألف يقدر فيها غير الجزم وهو الرفع والنصب نحو زيد يخشى فيخشى مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف ولن يخشى فيخشى منصوب وعلامة النصب فتحة مقدرة على الألف وأما الجزم فيظهر لأنه يحذف له الحرف الآخر نحو لم يخش.
وأشار بقوله وأبد نصب ما كيدعو يرمي إلى أن النصب يظهر فيما آخره واو أو ياء نحو لن يدعو ولن يرمي. وأشار بقوله والرفع فيهما انو إلى أن الرفع يقدر في الواو والياء نحو يدعو ويرمي فعلامة الرفع ضمة مقدرة على الواو والياء.
وأشار بقوله واحذف جازما ثلاثهن إلى أن الثلاث وهي الألف والواو والياء تحذف في الجزم نحو لم يخش ولم يغز ولم يرم فعلامة الجزم حذف الألف والواو والياء.
وحاصل ما ذكره أن الرفع يقدر في الألف والواو والياء وأن الجزم يظهر في الثلاثة بحذفها وأن النصب يظهر في الياء والواو ويقدر في الألف.
هامش
أي: هذا باب المعرب والمبني، وإعرابه ظاهر.
" والاسم " الواو للاستئناف، الاسم: مبتدأ أول " منه " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " معرب " مبتدأ مؤخر، والجملة منه ومن خبره خبر المبتدأ الأول، " ومبني " مبتدأ، وخبره محذوف، والتقدير " ومنه مبني " ولا يجوز أن تعطف قوله مبني على معرب، لأنه يستلزم أن يكون المعنى أن بعض الاسم معرب ومبني في آن واحد، أو يستلزم أن بعض الاسم معرب ومبني وبعضه الآخر ليس بمعرب ولا مبني، وهو قول ضعيف أباه جمهور المحققين من النحاة " لشبه " جار ومجرور متعلق بمبني، أو متعلق بخبر محذوف مع مبتدئه والتقدير: " وبناؤه ثابت لشبه " " من الحروف " جار ومجرور متعلق بشبه أو بمدني " مدني " نعت لشبه، وتقدير البيت: والاسم بعضه معرب وبعضه الآخر مبني، وبناء ذلك المبني ثابت لشبه مدن له من الحرف ومدني: اسم فاعل فعله أدنى، تقول: أدنيت الشيء من الشيء، إذا قربته منه، والياء فيه هنا ياء زائدة للإشباع، وليست لام الكلمة، لان ياء المنقوص المنكر غير المنصوب تحذف وجوبا.
اعلم أنهم اختلفوا في سبب بناء بعض الأسماء: أهو شئ واحد يوجد في كل مبني منها أو أشياء متعددة يوجد واحد منها في بعض أنواع المبنيات وبعض آخر في نوع آخر، وهكذا؟ فذهب جماعة إلى أن السبب متعدد، وأن من الأسباب مشابهة الاسم في المعنى للفعل المبني، ومثاله - عند هؤلاء - من الاسم: " نزال وهيهات " فإنهما لما أشبها " انزل وبعد " في المعنى بنيا، وهذا السبب غير صحيح، لأنه لو صح للزم بناء نحو " سقيا لك " و" ضربا زيدا " فإنهما بمعنى فعل الأمر وهو مبني.
وأيضا يلزمه إعراب نحو " أف " و" أوه " ونحوهما من الأسماء التي تدل على معنى الفعل المضارع المعرب، ولم يقل بذلك أحد، وإنما العلة التي من أجلها بني " نزال " و" شتان " و" أوه " وغيرها من أسماء الأفعال هي مشابهتها الحرف في كونها عاملة في غيرها غير معمولة لشئ، ألا ترى أنك إذا قلت نزال كان اسم فعل مبنيا على الكسر لا محل له من الإعراب، وكان له فاعل هو ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، وهذا الفاعل هو المعمول لاسم الفعل، ولا يكون اسم الفعل أبدا متأثرا بعامل يعمل فيه، لا في لفظه ولا في محله.
وقال قوم منهم ابن الحاجب: إن من أسباب البناء عدم التركيب، وعليه تكون الأسماء قبل تركيبها في الجمل مبنية، وهو ظاهر الفساد، والصواب أن الأسماء قبل تركيبها في الجمل ليست معربة ولا مبنية، لأن الإعراب والبناء حكمان من أحكام التراكيب، ألا ترى أنهم يعرفون الإعراب بأنه: أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل، أو يعرفونه بأنه: تغير أواخر الكلمات لاختلاف العوامل الداخلة عليها، والبناء ضده، فما لم يكن تركيب لا يجوز الحكم بإعراب الكلمة ولا ببنائها.
وقال آخرون: إن من أسباب البناء أن يجتمع في الاسم ثلاثة أسباب من موانع الصرف، وعللوه بأن السببين يمنعان من صرف الاسم، وليس بعد منع الصرف إلا ترك الإعراب بالمرة، ومثلوا لذلك ب " حذام، وقطام " ونحوهما، وادعوا أن سبب بناء هذا الباب اجتماع العلمية، والتأنيث، والعدل عن حاذمة وقاطمة، وهو فاسد، فإنا وجدنا من الأسماء ما اجتمع فيه خمسة أسباب من موانع الصرف، وهو مع ذلك معرب، ومثاله " أذربيجان " فإن فيه العلمية والتأنيث والعجمة والتركيب وزيادة الألف والنون، وليس بناء حذام ونحوه لما ذكروه، بل لمضارعته في الهيئة نزال ونحوه مما بنى لشبهه بالحرف في نيابته عن الفعل وعدم تأثره بالعامل.
وقال قوم منهم الذين ذكرهم الشارح: إنه لا علة للبناء إلا مشابهة الحرف، وهو رأي الحذاق من النحويين، كل ما في الأمر أن شبه الحرف على أنواع.
" كالشبه " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كائن كالشبه " الوضعي " نعت للشبه " في اسمي " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة للوضعي، واسمي مضاف و" جئتنا " قصد لفظه: مضاف إليه " والمعنوي " معطوف على الوضعي " في متى، وفي هنا " جاران ومجروران متعلقان بمحذوف نعت للمعنوي، وتقدير البيت: والشبه المدني من الحروف مثل الشبه الوضعي الكائن في الاسمين الموجودين في قولك " جئتنا " وهما تاء المخاطب و" نا " ومثل الشبه المعنوي الكائن في " متى " الاستفهامية والشرطية وفي " هنا " الإشارية.
" وكنيابة " الواو عاطفة، والجار والمجرور معطوف على كالشبه " عن الفعل " جار ومجرور متعلق بنيابة " بلا تأثر " الباء حرف جر، ولا: اسم بمعنى غير مجرور بالباء، وظهر إعرابه على ما بعده بطريق العارية، والجار والمجرور متعلق بمحذوف نعت لنيابة، ولا مضاف، وتأثر: مضاف إليه، مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة العارية التي يقتضيها ما قبله " وكافتقار " الواو حرف عطف والجار والمجرور معطوف على كنيابة " أصلا " فعل ماض مبني للمجهول، والالف للإطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على افتقار، والجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل جر نعت لافتقار، وتقدير البيت: ومثل النيابة عن الفعل في العمل مع أنه لا يتأثر بالعامل، ومثل الافتقار المتأصل، والافتقار المتأصل: هو الافتقار اللازم له الذي لا يفرقه في حالة من حالاته.
الأصل في وضع الحرف أن يكون على حرف هجاء واحد كباء الجر ولامه وكافه وفاء العطف وواوه وألف الاستفهام وما شاكل ذلك، أو على حرفي هجاء ثانيهما لين كلا وما النافيتين، والأصل في وضع الاسم أن يكون على ثلاثة أحرف فصاعدا كما لا يحصى من الأسماء، فما زاد من حروف المعاني على حرفين من حروف الهجاء مثل إن وليت وإلا وثم ولعل ولكن فهو خارج عن الأصل في نوعه، وما نقص من الأسماء عن ثلاثة الأحرف كتاء الفاعل ونا وأكثر الضمائر فهو خارج عن الأصل في نوعه، وما خرج من الحروف عن الأصل في نوعه قد أشبه الأسماء، وما خرج من الأسماء عن الأصل في نوعه أشبه الحروف، وكلا الشبهين راجع إلى الوضع، وكان ذلك يقتضى أن يأخذ المشبه حكم المشبه به في الموضعين، إلا أنهم أعطوا الاسم الذي يشبه الحرف حكم الحرف وهو البناء، ولم يعطوا الحرف الذي أشبه الاسم حكم الاسم وهو الإعراب لسببين، أولهما أن الحرف حين أشبه الاسم قد أشبهه في شئ لا يخصه وحده، فإن الأصل في وضع الفعل أيضا أن يكون على ثلاثة أحرف، بخلاف الاسم الذي قد أشبه الحرف، فإنه قد أشبهه في شئ يخصه ولا يتجاوزه إلى نوع آخر من أنواع الكلمة، والسبب الثاني: أن الحرف لا يحتاج في حالة ما إلى الإعراب، لان الإعراب إنما يحتاج إليه من أنواع الكلمة ما يقع في مواقع متعددة من التراكيب بحيث لا يتميز بعضها عن بعض بغير الإعراب، والحرف لا يقع في هذه المواقع المتعددة، فلم يكن ثمة ما يدعو إلى أن يأخذ حكم الاسم حين يشبهه، ومعنى هذا الكلام أن في مشابهة الحرف للاسم قد وجد المقتضى ولكن لم ينتف المانع، فالمقتضى هو شبه الاسم، والمانع هو عدم توارد المعاني المختلفة عليه، وشرط تأثير المقتضى أن ينتفى المانع.
نقل ابن فلاح عن أبي علي الفارسي أن أسماء الإشارة مبنية لأنها من حيث المعنى أشبهت حرفا موجودا، وهو أل العهدية، فإنها تشير إلى معهود بين المتكلم والمخاطب، ولما كانت الإشارة في هنا ونحوها حسية وفي أل العهدية ذهنية لم يرتض المحققون ذلك، وذهبوا إلى ما ذكره الشارح من أن أسماء الإشارة بنيت لشبهها في المعنى حرفا مقدرا.
ونظير " هنا " فبما ذكرناه " لدى " فإنها دالة على الملاصقة والقرب زيادة على الظرفية، والملاصقة والقرب من المعاني التي لم تضع العرب لها حرفا، وأيضا " ما " التعجبية، فإنها دالة على التعجب، ولم تضع العرب للتعجب حرفا، فيكون بناء كل واحد من هذين الاسمين لشبهه في المعنى حرفا مقدرا، فافهم ذلك.
اسم الفعل ما دام مقصودا معناه لا يدخل عليه عامل أصلا، فضلا عن أن يعمل فيه، وعبارة الشارح كغيره توهم أن العوامل قد تدخل عليه ولكنها لا تؤثر فيه، فكان الأولى به أن يقول " ولا يدخل عليه عامل أصلا " بدلا من قوله " ولا يعمل فيه غيره " وقولنا " ما دام مقصودا منه معناه " نريد به الإشارة إلى أن اسم الفعل إذا لم يقصد به معناه - بأن يقصد لفظه مثلا - فإن العامل قد يدخل عليه، وذلك كما في قول زهير ابن أبي سلمى المزني: ولنعم حشو الدرع أنت إذا دعيت نزال ولج في الذعر فنزال في هذا البيت مقصود بها اللفظ، ولذلك وقعت نائب فاعل، فهي مرفوعة بضمة مقدرة على آخرها منع من ظهوها اشتغال المحل بحركة البناء الأصلي، ومثله قول زيد الخيل: وقد علمت سلامة أن سيفي كريه كلما دعيت نزال ونظيرهما قول جريبة الفقعسي: عرضنا نزال فلم ينزلوا وكانت نزال عليهم أطم
إذا قلت " هيهات زيد " مثلا فللعلماء في إعرابه ثلاثة آراء: الأول وهو مذهب الأخفش، وهو الصحيح الذي رجحه جمهور علماء النحو أن هيهات اسم فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، وزيد: فاعل مرفوع بالضمة، وهذا الرأي هو الذي يجري عليه قول الناظم إن سبب البناء في أسماء الأفعال كونها نائبة عن الفعل غير متأثرة بعامل لا ملفوظ به ولا مقدر، والثاني - وهو رأي سيبويه - أن هيهات مبتدأ مبني على الفتح في محل رفع، فهو متأثر بعامل معنوي وهو الابتداء، وزيد: فاعل سد مسد الخبر، والثالث - وهو رأي المازني - أن هيهات مفعول مطلق لفعل محذوف من معناه، وزيد: فاعل به، وكأنك قلت: بعد بعدا زيد، فهو متأثر بعامل لفظي محذوف من الكلام، ولا يجري كلام الناظم على واحد من هذين القولين، الثاني والثالث، وعلة بناء اسم الفعل على هذين القولين تضمن أغلب ألفاظه - وهي الألفاظ الدالة على الأمر منه - معنى لام الأمر، وسائره محمول عليه، يعني أن اسم الفعل أشبه الحرف شبها معنويا، لا نيابيا.
زاد ابن مالك في شرح الكافية الكبرى نوعا خامسا سماه الشبه الاهمالي، وفسره بأن يشبه الاسم الحرف في كونه لا عاملا ولا معمولا. ومثل له بأوائل السور نحو " ألم، ق، ص " وهذا جار على القول بأن فواتح السور لا محل لها من الإعراب، لأنها من المتشابه الذي لا يدرك معناه، وقيل: إنها في محل رفع على أنها مبتدأ خبره محذوف، أو خبر مبتدؤه محذوف، أو في محل نصب بفعل مقدر كاقرأ ونحوه، أو في محل جر بواو القسم المحذوفة، وجعل بعضهم من هذا النوع الأسماء قبل التركيب، وأسماء الهجاء المسرودة، وأسماء العدد المسرودة، وزاد ابن مالك أيضا نوعا سادسا سماه الشبه اللفظي، وهو: أن يكون لفظ الاسم كلفظ حرف من حروف المعاني، وذلك مثل " حاشا " الاسمية، فإنها أشبهت " حاشا " الحرفية في اللفظ.
واعلم أنه قد يجتمع في اسم واحد مبني شبهان فأكثر، ومن ذلك المضمرات، فإن فيها الشبه المعنوي، إذ التكلم والخطاب والغيبة من المعاني التي تتأدى بالحروف، وفيها الشبه الافتقاري، لان كل ضمير يفتقر افتقارا متأصلا إلى ما يفسره، وفيها الشبه الوضعي، فإن أغلب الضمائر وضع على حرف أو حرفين، وما زاد في وضعه على ذلك فمحمول عليه، طردا للباب على وتيرة واحدة.
" ومعرب " مبتدأ، ومعرب مضاف و" الأسماء " مضاف إليه " ما " اسم موصول في محل رفع خبر المبتدأ " قد سلما " قد: حرف تحقيق، وسلم: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، والألف في " سلما " للإطلاق " من شبه " جار ومجرور متعلق بقوله سلم، وشبه مضاف و" الحرف " مضاف إليه " كأرض " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كائن كأرض " وسما " الواو حرف عطف، سما: معطوف على أرض، مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر، وهو - بضم السين مقصورا - إحدى اللغات في اسم كما سيذكره الشارح، ونظيره في الوزن هدى وعلا وتقى وضحا.
وههنا سؤال، وهو - أن الناظم في ترجمة هذا الباب بدأ بالمعرب وثنى بالمبني فقال " المعرب والمبني " وحين أراد التقسيم بدأ بالمعرب أيضا فقال " والاسم منه معرب ومبني " ولكنه حين بدأ في التفصيل وتعريف كل واحد منهما بدأ بالمبني وأخر المعرب، فما وجهه؟ والجواب عن ذلك أنه بدأ في الترجمة والتقسيم بالمعرب لكونه أشرف من المبني بسبب كونه هو الأصل في الأسماء.
وبدأ في التعريف بالمبني لكونه منحصرا، والمعرب غير منحصر، ألا ترى أن خلاصة الكلام في أسباب البناء قد أنتجت أن المبني من الأسماء ستة أبواب ليس غير؟!
والمتمكن الأمكن هو الذي يدخله التنوين، إذا خلا من أل ومن الإضافة، ويجر بالكسرة، ويسمى المنصرف، والمتمكن غير الأمكن هو الذي لا ينون، ولا يجر بالكسرة إلا إذا اقترن بأل أو أضيف، ويسمى الاسم الذي لا ينصرف.
" وفعل " مبتدأ، وفعل مضاف و" أمر " مضاف إليه " ومضى " يقرأ بالجر على أنه معطوف على أمر، ويقرأ بالرفع على أنه معطوف على فعل " بنيا " فعل ماض مبني للمجهول، والألف التي فيه للتثنية، وهي نائب فاعل، وذلك إذا عطفت " مضى " على " فعل " فإن عطفته على " أمر " فالألف للإطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على فعل " أعربوا " فعل وفاعل " مضارعا " مفعول به " إن " حرف شرط " عريا " فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، وألفه للإطلاق، وفاعله ضمير مستتر فيه، وجواب الشرط محذوف يدل عليه السابق من الكلام، أي: إن عرى الفعل المضارع من النون أعرب، وعرى من باب رضى بمعنى خلا، وبأتى من باب قعد بمعنى آخر، تقول: عراه يعروه عروا - مثل سما يسمو سموا - إذا نزل به، ومنه قول أبي صخر الهذلي: وإني لتعروني لذكراك هزة كما انتفض العصفور بلله القطر
" من نون " جار ومجرور متعلق بعرى، ونون مضاف و" توكيد " مضاف إليه، " مباشر " صفة لنون " ومن نون " جار ومجرور معطوف بالواو على الجار والمجرور السابق، ونون مضاف و" إناث " مضاف إليه " كيرعن " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، وتقديره: وذلك كائن كيرعن " من " اسم موصول مفعول به ليرعن، باعتباره فعلا قبل أن يقصد لفظه مع سائر التركيب، مبني على السكون في محل نصب، فأما بعد أن قصد لفظ الجملة فكل كلمة منها كحرف من حروف زيد مثلا " فتن " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.
لما كان الأصل عند البصريين في الأسماء الإعراب فإن ما كان منها معربا لا يسأل عن علة إعرابه، لان ما جاء على أصله لا يسأل عن علته، وما جاء منها مبنيا يسأل عن علة بنائه، وقد تقدم للناظم والشارح بيان علة بناء الاسم، وأنها مشابهته للحرف، ولما كان الأصل في الأفعال عندهم أيضا البناء فإن ما جاء منها مبنيا لا يسأل عن علة بنائه، وإنما يسأل عن علة إعراب ما أعرب منه وهو المضارع، وعلة إعراب الفعل المضارع عند البصريين أنه أشبه الاسم في أن كل واحد منهما يتوارد عليه معان تركيبية لا يتضح التمييز بينها إلا بالإعراب، فأما المعاني التي تنوارد على الاسم فمثل الفاعلية والمفعولية والإضافة في نحو قولك: ما أحسن زيد، فإنك لو رفعت زيدا لكان فاعلا وصار المراد نفى إحسانه، ولو نصبته لكان مفعولا به وصار المراد التعجب من حسنه، ولو جررته لكان مضافا إليه، وصار المراد الاستفهام عن أحسن أجزائه، وأما المعاني التي تتوارد على الفعل فمثل النهي عن الفعلين جميعا أو عن الأول منهما وحده أو عن فعلهما متصاحبين في نحو قولك: لا تعن بالجفاء وتمدح عمرا، فإنك لو جزمت " تمدح " لكنت منهيا عنه استقلالا، وصار المراد أنه لا يجوز لك أن تعن بالجفاء ولا أن تمدح عمرا، ولو رفعت " تمدح " لكان مستأنفا غير داخل في حكم النهي، وصار المراد أنك منهى عن الجفاء مأذون لك في مدح عمرو، ولو نصبته لكان معمولا لان المصدرية وصار المراد أنك منهى عن الجمع بين الجفاء ومدح عمرو، وأنك لو فعلت أيهما منفردا جاز.
بنى الفعل الماضي لان البناء هو الأصل، وإنما كان بناؤه على حركة - مع أن الأصل في البناء السكون - لأنه أشبه الفعل المضارع المعرب في وقوعه خبرا وصفة وصلة وحالا، والأصل في الإعراب أن يكون بالحركات، وإنما كانت الحركة في الفعل الماضي خصوص الفتحة لأنها أخف الحركات، فقصدوا أن تتعادل خفتها مع ثقل الفعل بسبب كون معناه مركبا، لئلا يجتمع ثقيلان في شئ واحد، وتركيب معناه هو دلالته على الحدث والزمان.
عندهم أن نحو " اضرب " مجزوم بلام الأمر مقدرة، وأصله لتضرب، فحذفت اللام تخفيفا، فصار " تضرب " ثم حذف حرف المضارعة قصدا للفرق بين هذا وبين المضارع غير المجزوم عند الوقف عليه، فاحتيج بعد حذف حرف المضارعة إلى همزة الوصل توصلا للنطق بالساكن - وهو الضاد - فصار " اضرب " وفي هذا من التكلف ما ليس تخفى.
لا فرق في اتصال نون التوكيد بالفعل المضارع ومباشرتها له بين أن تكون ملفوظا بها كما مثل الشارح، وأن تكون مقدرة كما في قول الشاعر، وهو الأضبط بن قريع لا تهين الفقير علك أن تركع يوما والدهر قد رفعه فإن أصل قوله لا تهين لا تهينن بنونين أولاهما لام الكلمة والثانية نون التوكيد الخفيفة، فحذفت نون التوكيد الخفيفة، وبقى الفعل بعد حذفها مبنيا على الفتح في محل جزم بلام النهي، ولو لم تكن نون التوكيد مقدرة في هذا الفعل لوجب عليه أن يقول لا تهن، بحذف الياء التي هي عين الفعل تخلصا من التقاء الساكنين - وهما الياء وآخر الفعل - ثم يكسر آخر الفعل تخلصا من التقاء ساكنين آخرين هما آخر الفعل ولام التعريف التي في أول " الفقير " لان ألف الوصل لا يعتد بها، إذ هي غير منطوق بها، فلما وجدناه لم يحذف الياء علمنا أنه قد حذف نون التوكيد وهو ينوبها.
أي: بعد أن حرك نون التوكيد بالكسر بعد أن كانت مفتوحة، فرقا بينها وبين نون التوكيد التي تتصل بالفعل المسند لواحد، في اللفظ، فإن ألف الاثنين تظهر في النطق كحركة مشبعة، فلو لم تكسر النون في المثنى التبس المسند للإثنين في اللفظ بالمسند إلى المفرد.
ممن قال بإعرابه السهيلي وابن درستويه وابن طلحة، ورأيهم أنه معرب بإعراب مقدر منع من ظهوره شبهه بالماضي في صيرورة النون جزءا منه، فتقول في نحو (والوالدات يرضعن) : يرضعن فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع ظهورها شبه يرضعن بأرضعن في أن النون قد صارت فيه جزء امنه.
" كل " مبتدأ، وكل مضاف و" حرف " مضاف إليه " مستحق " خبر المبتدأ " للبنا " جار ومجرور متعلق بمستحق " والأضل " مبتدأ " في المبني " جار ومجرور متعلق بالأصل " أن " مصدرية " يسكنا " فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن، والألف للإطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المبني، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر المبتدأ، والتقدير: والأصل في المبنى تسكينه، والمراد كونه ساكنا.
" ومنه " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " ذو " مبتدأ مؤخر، مرفوع بالواو نيابة عن الضمة لأنه من الأسماء الستة، وذو مضاف و" فتح " مضاف إليه " وذو " معطوف على ذو السابق " كسر " مضاف إليه " وضم " معطوف على كسر بتقدير مضاف: أي وذو ضم " كأين " متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف " أمس، حيث " معطوفان على أين بحرف عطف محذوف " والساكن الواو عاطفة أو للاستئناف، الساكن: مبتدأ " كم " خبره، ويجوز العكس.
ذكر الناظم والشارح أن من المبنيات ما يكون بناؤه على السكون، ومنه ما يكون بناؤه على حركة من الحركات الثلاث.
واعلم أنه ينوب عن السكون في البناء الحذف، والحذف يقع في موضعين: الأول الأمر المعتل الآخر، نحو: اغز وارم واسع، والثاني: الأمر المسند إلى ألف اثنين أو واو جماعة أو ياء مخاطبة، نحو اكتبا واكتبوا واكتبي، وأنه ينوب عن الفتح في البناء شيئان: أولهما الكسر، وذلك في جمع المؤنث السالم إذا وقع اسما للا النافية للجنس، نحو لا مسلمات، وثانيهما الياء وذلك في جمع المذكر السالم والمثنى إذا وقع أحدهما اسما للا النافية للجنس أيضا، نحو: لا مسلمين، وأنه ينوب عن الضم في البناء شيئان: أحدهما الألف وذلك في المثنى إذا وقع منادى نحو: يا زيدان، وثانيهما الواو، وذلك في جمع المذكر السالم إذا وقع منادى أيضا، نحو: يا زيدون.
" والرفع " مفعول به أول لأجعلن مقدم عليه " والنصب " معطوف عليه " اجعلن " فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " إعرابا " مفعول ثان لأجعلن " لاسم " جار ومجرور متعلق بإعرابا " وفعل " معطوف على اسم " نحو " خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك نحو " لن " حرف نفي ونصب واستقبال " أهابا " فعل مضارع منصوب بلن، والألف للإطلاق، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، ونحو مضاف وجملة الفعل والفاعل في قوة مفرد مضاف إليه.
" والاسم " مبتدأ " قد " حرف تحقيق " خصص " فعل ماض، مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الاسم، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " بالجر " جار ومجرور متعلق بخصص " كما " الكاف حرف جر، وما: مصدرية " قد " حرف تحقيق " خصص " فعل ماض مبني للمجهول " الفعل " نائب فاعله، وما مع مدخولها في تأويل مصدر مجرور بالكاف: أي ككون الفعل مخصصا " بأن " الباء حرف جر، وأن حرف مصدري ونصب " ينجز ما " فعل مضارع منصوب بأن، والألف للإطلاق، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل، وأن ومدخولها في تأويل مصدر مجرور بالباء: أي بالانجزام، والجار والمجرور متعلق بخصص.
" فارفع " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بضم " جار ومجرور متعلق بارفع " وانصبن " الواو عاطفة، انصب: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، وهو معطوف على ارفع " فتحا " منصوب على نزع الخافض أي بفتح " وجر " الواو عاطفة، جر: فعل أمر معطوف على ارفع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " كسرا " مثل قوله فتحا منصوب على نزع الخافض " كذكر الله عبده يسر " الكاف حرف جر ومجروره محذوف، والجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: وذلك كائن كقولك، وذكر: مبتدأ، وذكر مضاف ولفظ الجلالة مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله، وعبد: مفعول به لذكر منصوب بالفتحة الظاهرة، وعبد مضاف والضمير مضاف إليه، ويسر: فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذكر، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ.
" واجزم " الواو عاطفة، اجزم: فعل أمر معطوف على ارفع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بتسكين " جار ومجرور متعلق باجزم " وغير " الواو للاستئناف، غير: مبتدأ، وغير مضاف و" ما " اسم موصول مضاف إليه مبني على السكون في محل جر " ذكر " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة " ينوب " فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى غير، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " نحو " خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك نحو " جا " فعل ماض قصر للضرورة " أخو " فاعل مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة، وأخو مضاف و" بني " مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم، وبني مضاف و" نمر " مضاف إليه، مجرور بالكسرة الظاهرة، وسكن لأجل الوقف، والجملة من الفعل وفاعله في قوة مفرد مجرور بإضافة نحو إليه.
" وارفع " الواو للاستئناف، ارفع فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بواو " متعلق بارفع " وانصبن " الواو عاطفة، انصب: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، وهو معطوف على ارفع " بالألف " جار ومجرور متعلق بانصب " واجرر " الواو عاطفة، اجرر: فعل أمر مبني على السكون، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، وهو معطوف على ارفع " بياء " جار ومجرور متعلق باجرر " ما " اسم موصول تنازعه الأفعال الثلاثة " من الأسما " جار ومجرور متعلق بأصف الآتي، أو بمحذوف حال من ما الموصولة " أصف " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، والعائد ضمير محذوف منصوب المحل بأصف، أي: الذي أصفه.
في هذه المسألة أقوال كثيرة، وأشهر هذه الأقوال ثلاثة، الأول: أنها معربة من مكان واحد، والواو والألف والياء هي حروف الإعراب، وهذا رأي جمهور البصريين وإليه ذهب أبو الحسن الأخفش في أحد قوليه، وهو الذي ذكره الناظم هنا ومال إليه.
والثاني: أنها معربة من مكان واحد أيضا، وإعرابها بحركات مقدرة على الواو والألف والياء، فإذا قلت " جاء أبوك " فأبوك: فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الواو منع من ظهورها الثقل، وهذا مذهب سيبويه، وهو الذي ذكره الشارح وزعم أنه الصحيح، ورجحه الناظم في كتابه التسهيل، ونسبه جماعة من المتأخرين إلى جمهور البصريين، والصحيح أن مذهب هؤلاء هو الذي قدمنا ذكره، قال أتباع سيبويه: إن الأصل في الإعراب أن يكون بحركات ظاهرة أو مقدرة فمتى أمكن هذا الأصل لم يجز العدول عنه إلى الفروع، وقد أمكن أن نجعل الإعراب بحركات مقدرة، فيجب المصير إليه، والقول الثالث: قول جمهور الكوفيين، وحاصله أنها معربة من مكانين، قالوا: إن الحركات تكون إعرابا لهذه الأسماء في حال إفرادها: أي قطعها عن الإضافة، فتقول: هذا أب لك وقد رأيت أخا لك، ومررت بحم، فإذا قلت في حال الإضافة، " هذا أبوك " فالضمة باقية على ما كانت عليه في حال الأفراد، فوجب أن تكون علامة إعراب، لان الحركة التي تكون علامة إعراب للمفرد في حالة إفراده هي بعينها التي تكون علامة لإعرابه في حال إضافته، ألا ترى أنك تقول " هذا غلام " فإذا قلت " هذا غلامك " لم يتغير الحال؟ فكذا هنا.
وكذا الواو والألف والياء بعد هذه الحركات في حال إضافة الأسماء الستة تجري مجرى الحركات في كونها إعرابا، بدليل أنها تتغير في حال الرفع والنصب والجر، فدل ذلك على أن الضمة والواو جميعا علامة للرفع، والفتحة والألف جميعا علامة للنصب، والكسرة والياء جميعا علامة للجر، وإنما ألجأ العرب إلى ذلك قلة حروف هذه الأسماء، فرفدوها في حال الإضافة التي هي من خصائص الاسم - بحروف زائدة، تكثيرا لحروفها.
" من ذاك " من ذا: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، والكاف حرف خطاب " ذو " مبتدأ مؤخر " إن " حرف شرط " صحبة " مفعول به مقدم لابان " أبانا " أبان: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذو، وألفه للإطلاق وهو فعل شرط مبني على الفتح في محل جزم، والجواب محذوف، والتقدير: إن أبان ذو صحبة فارفعه بالواو " والفم " معطوف على ذو " حيث " ظرف مكان " الميم " مبتدأ " منه " جار ومجرور متعلق ببان " بانا " فعل ماض بمعنى انفصل، مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الميم، وألفه للإطلاق وجملته في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو قوله الميم، وجملة المبتدأ وخبره في محل جر بإضافة " حيث " إليها.
هذا بيت من الطويل، وهو من كلام منظور بن سحيم الفقعسي، وقد استشهد به ابن هشام في أوضح المسالك (ش 7) في مبحث الأسماء الخمسة، وفي باب الموصول، كما فعل الشارح هنا، واستشهد به الأشموني (ش 155) مرتين أيضا.
وقبل البيت المستشهد به قوله: ولست بهاج في القرى أهل منزل على زادهم أبكي وأبكي البواكيا فإما كرام موسرون لقيتهم فحسبي من ذو عندهم.
البيت وإما كرام معسرون عذرتهم وإما لئام فادخرت حيائيا وعرضي أبقى ما ادخرت ذخيرة وبطني أطويه كطي ردائيا اللغة: " هاج " اسم فاعل من الهجاء، وهو الذم والقدح، تقول: هجاه يهجوه هجوا وهجاء " القرى " - بكسر القاف مقصورا - إكرام الضيف، و" في " هنا دالة على السببية والتعليل، مثلها في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دخلت امرأة النار في هرة " أي بسبب هرة ومن أجل ما صنعته معها، يريد أنه لن يهجو أحدا ولن يذمه ويقدح فيه بسبب القرى على أية حال، وذلك لان الناس على ثلاثة أنواع: النوع الأول كرام موسرون، والنوع الثاني كرام معسرون غير واجدين ما يقدمونه لضيفانهم، والنوع الثالث لئام بهم شح وبخل وضنانة، وقد ذكر هؤلاء الأنواع الثلاثة، وذكر مع كل واحد حاله بالنسبة له " كرام " جمع كريم، وأراد الطيب العنصر الشريف الآباء، وقابلهم باللئام " موسرون " ذوو ميسرة وغنى، وعندهم ما يقدمونه للضيفان " معسرون " ذوو عسرة وضيق لا يجدون ما يقدمونه مع كرم نفوسهم وطيب عنصرهم.
الإعراب: " إما " حرف شرط وتفصيل، مبني على السكون لا محل له من الإعراب " كرام " فاعل بفعل محذوف يفسره السياق، وتقدير الكلام: إما لقيني كرام، ونحو ذلك، مرفوع بذلك الفعل المحذوف، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة " موسرون " نعت لكرام، ونعت المرفوع مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد " لقيتهم " لقى: فعل ماض مبني على فتح مقدر لا محل له من الإعراب، والتاء ضمير المتكلم فاعل لقى، مبني على الضم في محل رفع، وضمير الغائبين العائد إلى كرام، مفعول به مبني على السكون في محل نصب، وجملة الفعل الماضي وفاعله ومفعوله لا محل لها من الإعراب تفسيرية " فحسبي " الفاء واقعة في جواب الشرط، حرف مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، حسب: اسم بمعنى كاف خبر مقدم، وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه، مبني على الفتح في محل جر " من " حرف جر مبني على السكون لا محل له " ذو " اسم موصول بمعنى الذي مبني على السكون في محل جر بمن، وإن رويت " ذي " فهو مجرور بمن، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة، والجار والمجرور متعلق بحسب " عندهم " عند: ظرف متعلق بمحذوف يقع صلة للموصول الذي هو ذو بمعنى الذي، وعند مضاف وضمير الغائبين مضاف إليه، مبني على السكون في محل جر " ما " اسم موصول بمعنى الذي مبتدأ مؤخر مبني على السكون في محل رفع " كفانيا " كفى: فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف منع من ظهوره التعذر، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الاسم الموصول الذي هو ما، والنون للوقاية، وياء المتكلم مفعول به مبني على الفتح في محل نصب، والألف للإطلاق، وجملة كفى وفاعله ومفعوله لا محل صلة ما.
الشاهد فيه: قوله " فحسبي من ذو عندهم " فإن " ذو " في هذه العبارة اسم موصول بمعنى الذي، وقد رويت هذه الكلمة بروايتين، فمن العلماء من روى " فحسبي من ذي عندهم " بالياء، واستدل بهذه الرواية على أن " ذا " الموصولة تعامل معامل " ذي " التي بمعنى صاحب والتي هي من الأسماء الخمسة، فترفع بالواو، وتنصب بالألف، وتجر بالياء كما في هذه العبارة على هذه الرواية، ومعنى ذلك أنها معربة ويتغير آخرها بتغير التراكيب.
ومن العلماء من روى " فحسبي من ذو عندهم " بالواو، واستدل بها على أن " ذو " التي هي اسم موصول مبنية، وأنها تجئ بالواو في حالة الرفع وفي حالة النصب وفي حالة الجر جميعا وهذا الوجه هو الراجح عند النحاة، وسيذكر الشارح هذا البيت مرة أخرى في باب الموصول، وينبه على الروايتين جميعا، وعلى أن رواية الواو تدل على البناء ورواية الياء تدل على الإعراب، لكن على رواية الياء يكون الإعراب فيها بالحروف نيابة عن الحركات على الراجح، وعلى رواية الواو تكون الكلمة فيها مبنية على السكون، فاعرف ذلك ولا تنسه. قال ابن منظور في لسان العرب: " وأما قول الشاعر: فإن بيت تميم ذو سمعت به فإن " ذو " هنا بمعنى الذي، ولا يكون في الرفع والنصب والجر إلا على لفظ واحد، وليست بالصفة التي تعرب نحو قولك: مررت برجل ذي مال، وهو ذو مال، ورأيت رجلا ذا مال، وتقول: رأيت ذو جاءك، وذو جاءاك، وذو جاؤوك، وذو جاءتك، وذو جئنك، بلفظ واحد للمذكر والمؤنث، ومن أمثال العرب: أتى عليه ذو أتى على الناس، أي الذي أتى عليهم، قال أبو منصور: وهي لغة طيء، وذو بمعنى الذي " اهـ.
وفي البيت الذي أنشده في صدر كلامه شاهد كالذي معنا على أن " ذو والتي بمعنى الذي تكون بالواو ولو كان موضعها جرا أو نصبا، فإن قول الشاعر " ذو سمعت به " نعت لبيت تميم المنصوب على أنه اسم إن، ولو كانت " ذو " معربة لقال: فإن بيت تميم ذا سمعت به، فلما جاء بها بالواو في حال النصب علمنا أنه يراها مبنية، وبناؤها كما علمت على السكون
" أب " مبتدأ " أخ حم " معطوفان على أب مع حذف حرف العطف " كذاك " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر تنازعه كل من أب وما عطف عليه " وهن " الواو عاطفة، هن: مبتدأ، وخبره محذوف، أي: وهن كذا ك " والنقص " مبتدأ " في هذا " جار ومجرور متعلق بالنقص، أو بأحسن " الأخير " بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة أو هو نعت له " أحسن " خبر المبتدأ.
" وفي أب " جار ومجرور متعلق بيندر الآتي " وتالييه " معطوف على أب " يندر " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى النقص " وقصرها " الواو عاطفة، قصر: مبتدأ، وقصر مضاف والضمير مضاف إليه " من نقصهن " من نقص: جار ومجرور متعلق بأشهر، ونقص مضاف والضمير مضاف إليه " أشهر " خبر المبتدأ.
ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " من تعزى بعزاء الجاهلية فأعظوه بهن أبيه، ولا تكنوا " وتعزى بعزاء الجاهلية معناه دعا بدعائها فقال: يا لفلان، ويا لفلان، والغرض أنه يدعو إلى العصبية القبلية التي جهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهده في محوها.
ومعنى " أعضوه بهن أبيه " قولوا له: عض أير أبيك، ومعنى " ولا تكنوا " قولوا له ذلك بلفظ صريح، مبالغة في التشنيع عليه، ومحل الاستشهاد قوله صلوات الله عليه: " بهن أبيه " حيث جر لفظ الهن بالكسرة الظاهرة، ومن ذلك قولهم في المثل: " من يطل هن أبيه ينتطق به " يريدون من كثر إخوته اشتد بهم ظهره وقوى بهم عزه.
ينسب هذا البيت لرؤية بن العجاج، من كلمة يزعمون أنه مدح فيها عدي بن حاتم الطائي، وقبله قوله: أنت الحليم والأمير المنتقم تصدع بالحق وتنفي من ظلم اللغة: " عدي " أراد به عدي بن حاتم الطائي الجواد المشهور " اقتدى " يريد أنه جعله لنفسه قدوة فسار على نهج سيرته " فما ظلم " يريد أنه لم يظلم أمه، لأنه جاء على مثال أبيه الذي ينسب إليه، وذلك لأنه لو جاء مخالفا لما عليه أبوه من السمت أو الشبه أو من الخلق والصفات لنسبه الناس إلى غيره، فكان في ذلك ظلم لامه واتهام لها (انظر مجمع الأمثال رقم 4020 في 2 / 300 بتحقيقنا) .
الإعراب: " بأبه " الجار والمجرور متعلق باقتدى، وأب مضاف والضمير مضاف إليه " اقتدى عدي " فعل ماض وفاعله " في الكرم " جار ومجرور بالكسرة الظاهرة متعلق باقتدى أيضا، وسكن المجرور للوقف " ومن " اسم شرط مبتدأ " يشابه " فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بالسكون، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من " أبه " مفعول به ليشابه، ومضاف إليه " فما " الفاء واقعة في جواب الشرط، وما: نافية " ظلم " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، والجملة في محل جزم جواب الشرط، وجملة الشرط وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو اسم الشرط، وهذا أحد ثلاثة أقوال، وهو الذي نرجحه من بينها، وإن رجح كثير من النحاة غيره.
الشاهد فيه: قوله " بأبه يشابه أبه " حيث جر الأول بالكسرة الظاهرة، ونصب الثاني بالفتحة الظاهرة.
وهذا يدل على أن قوما من العرب يعربون هذا الاسم بالحركات الظاهرة على أواخره، ولا يجتلبون لها حروف العلة لتكون علامة إعراب.
نسب العيني والسيد المرتضى في شرح القاموس هذا البيت لابي النجم العجلي، ونسبه الجوهري لرؤية بن العجاج، وذكر العيني أن أبا زيد نسبه في نوادره لبعض أهل اليمن.
وقد بحثت النوادر فلم أجد فيها هذا البيت، ولكني وجدت أبا زيد أنشد فيها عن أبي الغول لبعض أهل اليمن: أي قلوص راكب تراها طاروا عليهن فشل علاها واشدد بمثنى حقب حقواها ناجية وناجيا أباها وفي هذه الأبيات شاهد للمسألة التي معنا، وقافيتها هي قافية بيت الشاهد، ومن هنا وقع السهو للعيني، فأما الشاهد في هذه الأبيات ففي قوله: " وناجيا أباها " فإن " أباها " فاعل بقوله: " ناجيا " وهذا الفاعل مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، وهذه لغة القصر، ولو جاء به على لغة التمام لقال: " وناجيا أبوها ".
الإعراب: " إن " حرف توكيد ونصب " أباها " أبا: اسم إن منصوب بفتحة مقدرة على الألف، ويحتمل أن يكون منصوبا بالألف نيابة عن الفتحة كما هو المشهور، وأبا مضاف والضمير مضاف إليه " وأبا " معطوف على اسم إن، وأبا مضاف وأبا من " أباها " مضاف إليه، وهو مضاف والضمير مضاف إليه " قد " حرف تحقيق " بلغا " فعل ماض، وألف الاثنين فاعله، والجملة في محل رفع خبر إن " في المجد " جار ومجرور متعلق بالفعل قبله وهو بلغ " غايتاها " مفعول به لبلغ على لغة من يلزم المثنى الألف، أي منصوب بفتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، وغايتا مضاف وضمير الغائبة مضاف إليه، وهذا الضمير عائد على المجد، وإنما جاء به مؤنثا ومن حقه التذكير لأنه اعتبر المجد صفة أو رتبة، والمراد بالغايتين المبدأ والنهاية، أو نهاية مجد النسب ونهاية مجد الحسب، وهذا الأخير أحسن.
الشاهد فيه: الذي يتعين الاستشهاد به في هذا البيت لما ذكر الشارح هو قوله: " أباها " الثالثة لان الأولى والثانية يحتملان الأجراء على اللغة المشهورة الصحيحة كما رأيت في الإعراب، فيكون نصبهما بالألف، أما الثالثة فهي في موضع الجر بإضافة ما قبلها إليها، ومع ذلك جاء بها بالألف، والأرجح إجراء الأوليين كالثالثة، لأنه يبعد جدا أن يجئ الشاعر بكلمة واحدة في بيت واحد على لغتين مختلفتين.
هذه لغة قوم بأعيانهم من العرب، واشتهرت نسبتها إلى بني الحارث وخثعم وزبيد، وكلهم ممن يلزمون المثنى الألف في أحواله كلها، وقد تكلم بها في الموضعين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذلك في قوله: " ما صنع أبا جهل؟ "، وقوله: " لا وتران في ليلة " وعلى هذه اللغة قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: " لا قود في مثقل ولو ضربه بأبا قبيس " وأبو قبيس: جبل معروف.
" وشرط " الواو للاستئناف، شرط: مبتدأ، وشرط مضاف و" ذا " مضاف إليه " الإعراب " بدل أو عطف بيان أو نعت لذا " أن " حرف مصدري ونصب " يضفن " فعل مضارع مبني للمجهول وهو مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة في محل نصب بأن، وأن مدخولها في تأويل مصدر خبر المبتدأ، أي: شرط إعرابهن بالحروف كونهن مضافات، و" لا " حرف عطف " لليا " معطوف على محذوف، والتقدير: لكل اسم لا للياء " كجا " الكاف حرف جر، ومجروره محذوف والجار والمجرور متعلق بمحذوف، خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كائن كقولك، وجا: أصله جاء: فعل ماض " أخو " فاعل جاء، وأخو مضاف وأبي من " أبيك " مضاف إليه مجرور بالياء، وأبي مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه " ذا " حال منصوب بالألف نيابة عن الفتحة، وهو مضاف، و" اعتلا " مضاف إليه.
وأصله اعتلاء فقصره للاضطرار، وتقدير البيت: وشرط هذا الإعراب (الذي هو كونها بالواو رفعا وبالألف نصبا وبالياء جرا) في كل كلمة من هذه الكلمات كونها مضافة إلى أي اسم من الأسماء لا لياء المتكلم، ومثال ذلك قولك: جاء أخو أبيك ذا اعتلاء، فأخو: مثال للمرفوع بالواو وهو مضاف لما بعده، وأبيك: مثال للمجرور بالياء، وهو مضاف لضمير المخاطب، وذا: مثال للمنصوب بالألف، وهو مضاف إلى " اعتلا "، وكل واحد من المضاف إليهن اسم غير ياء المتكلم كما ترى.
المراد جمع التكسير كما مثل، فأما جمع المذكر السالم فإنها لا تجمع عليه إلا شذوذا، وهي - حينئذ - تعرب إعراب جمع المذكر السالم شذوذا: بالواو رفعا، وبالياء المكسور ما قبلها نصبا وجرا، ولم يجمعوا منها جمع المذكر إلا الأب وذو.
فأما الأب فقد ورد جمعه في قول زياد بن واصل السلمي: فلما تبين أصواتنا بكين وفديننا بالابينا وأما " ذو " فقد ورد جمعه مضافا مرتين: إحداهما إلى اسم الجنس، والأخرى إلى الضمير شذوذا، وذلك في قول كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني: صبحنا الخزرجية مرهفات أبار ذوي أرومتها ذووها ففي " ذووها " شذوذ من ناحيتين: إضافته إلى الضمير، وجمعه جمع المذكر السالم (1) اعلم أن الأصل في وضع " ذو " التي بمعنى صاحب أن يتوصل بها إلى نعت ما قبلها بما بعدها، وذلك يستدعي شيئين، أحدهما: أن يكون ما بعدها مما لا يمتنع أن يوصف به، والثاني: أن يكون ما بعدها مما لا يصلح أن يقع صفة من غير حاجة إلى توسط شئ ومن أجل ذلك لازمت الإضافة إلى أسماء الأجناس المعنوية كالعلم والمال والفضل والجاه فتقول: محمد ذو علم، وخالد ذو مال، وبكر ذو فضل، وعلى ذو جاه، وما أشبه ذلك لان هذه الأشياء لا يوصف بها إلا بواسطة شئ، ألا ترى أنك لا تقول " محمد فضل " إلا بواسطة تأويل المصدر بالمشتق، أو بواسطة تقدير مضاف، أو بواسطة قصد المبالغة، فأما الأسماء التي يمتنع أن تكون نعتا - وذلك الضمير والعلم - فلا يضاف " ذو " ولا مثناه ولا جمعه إلى شئ منها، وشذ قول كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني الذي سبق إنشاده: صبحنا الخزرجية مرهفات أبار ذوي أرومتها ذووها كما شذ قول الآخر: إنما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه وشذ كذلك ما أنشده الأصمعي قال: أنشدني أعرابي من بني تميم ثم من بني حنظلة لنفسه: أهنأ المعروف ما لم تبتذل فيه الوجوه إنما يصطنع المعروف في الناس ذووه وإن كان اسم أو ما يقوم مقامه مما يصح أن يكون نعتا بغير حاجة إلى شئ - وذلك الاسم المشتق والجملة - لم يصح إضافة " ذو " إليه، وندر نحو قولهم: اذهب بذي تسلم، والمعنى: اذهب بطريق ذي سلامة، فتلخص أن " ذو " لا تضاف إلى واحد من أربعة أشياء: العلم، والضمير، والمشتق، والجملة، وأنها تضاف إلى اسم الجنس الجامد، سواء أكان مصدرا أم لم يكن.
" بالألف " جار ومجرور متعلق بارفع التالي " ارفع " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " المثنى " مفعول به لا رفع، منصوب بفتحة مقدرة على الألف " وكلا " معطوف على المثنى " إذا " ظرف لما يستقبل من الزمان " بمضمر " جار ومجرور متعلق بوصل الآتي " مضافا " حال من الضمير المستتر في وصل " وصلا " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا، والجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل جر بإضافة إذا إليها، وجواب إذا محذوف، والتقدير: إذا وصل كلا بالضمير حال كون كلا مضافا إلى ذلك الضمير فارفعه بالألف.
" كلنا " مبتدأ " كذاك " الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر، والكاف حرف خطاب " اثنان " مبتدأ " واثنتان " معطوف عليه " كابنين " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير الذي هو ألف الاثنين في قوله يجريان الآتي " وابنتين " معطوف على ابنين " يجريان " فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، وألف الاثنين فاعل، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ وما عطف عليه.
" وتخلف " فعل مضارع " اليا " فاعله " في جميعها " الجار والمجرور متعلق بتخلف، وجميع مضاف والضمير مضاف إليه " الألف " مفعول به لتخلف " جرا " مفعول لأجله " ونصبا " معطوف عليه " بعد " ظرف متعلق بتخلف، وبعد مضاف و" فتح " مضاف إليه " قد " حرف تحقيق " ألف " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على فتح، والجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل جر نعت لفتح.
وخرج بقوله " دال على اثنين " الاسم الذي تكون في آخره زيادة المثنى وهو مع ذلك لا يدل على اثنين، وإنما يدل على واحد أو على ثلاثة فصاعدا، فأما ما يدل على الواحد مع هذه الزيادة فمثاله من الصفات: رجلان، وشبعان، وجوعان، وسكران وندمان، ومثاله من الأعلام، عثمان، وعفان، وحسان، وما أشبه ذلك، وأما ما يدل على الثلاثة فصاعدا فمثاله: صنوان، وغلمان، وصردان، ورغفان، وجرذان وإعراب هذين النوعين بحركات ظاهرة على النون، والألف ملازمة لها في كل حال، لأنها نون الصيغة، وليست النون القائمة مقام التنوين.
هذا الذي ذكره الشارح تبعا للناظم - من أن لكلا وكلنا حالتين: حالة يعاملان فيها معاملة المثنى، وحالة يعاملان فيها معاملة المفرد المقصور، فيكونان بالألف في الأحوال الثلاثة كالفتى والعصا - هو مشهور لغة العرب، والسر فيه - على ما ذهب إليه نحاة البصرة - أن كلا وكلتا لفظهما لفظ المفرد ومعناهما معنى المثنى، فكان لهما شبهان شبه بالمفرد من جهة اللفظ، وشبه بالمثنى من جهة المعنى، فأخذا حكم المفرد تارة وحكم المثنى تارة أخرى، حتى يكون لكل شبه حظ، في الإعراب.
وفي إعادة الضمير عليهما أيضا.
ومن العرب من يعاملهما معاملة المقصور في كل حال، فيغلب جانب اللفظ، وعليه جاء قول الشاعر: نعم الفتى عمدت إليه مطيتي في حين جد بنا المسير كلانا ومحل الشاهد في قوله " كلانا " فإنه توكيد للضمير المجرور محلا بالباء في قوله " بنا " وهو مع ذلك مضاف إلى الضمير، وقد جاء به بالألف في حالة الجر.
وقد جمع في عود الضمير عليهما بين مراعاة اللفظ والمعنى الأسود بن يعفر في قوله: إن المنية والحتوف كلاهما يوفي المخارم يرقبان سوادي فتراه قال " يوفي المخارم " بالإفراد، ثم قال " يرقبان " بالتثنية، فأما الإعراب فإن جعلت " كلاهما " توكيدا كان كإعراب المقصور، ولكن ذلك ليس بمتعين، بل يجوز أن يكون " كلاهما " مبتدأ خبره جملة المضارع بعده، وجملة المبتدأ وخبره في محل رفع خبر إن، وعلى هذا يكون اللفظ كإعراب المثنى جاريا على اللغة الفصحى.
هذه لغة كنانة وبني الحارث بن كعب وبني العنبر وبني هجيم وبطون من ربيعة بكر بن وائل وزبيد وخثعم وهمدان وعذرة.
وخرج عليه قوله تعالى: (إن هذان لساحران) وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاوتران في ليلة " وجاء عليها قول الشاعر: تزود منا بين أذناه طعنة دعته إلى هابي التراب عقيم فإن من حق " هذان، ووتران، وأذناه " لو جرين على اللغة المشهورة أن تكون بالياء: فإن الأولى اسم إن، والثانية اسم لا، وهما منصوبان، والثالثة في موضع المجرور بإضافة الظرف قبلها، وفي الآية الكريمة تخريجات أخرى تجريها على المستعمل في لغة عامة العرب: منها أن " إن " حرف بمعنى " نعم " مثلها في قول عبد الله بن قيس الرقيات: بكر العواذل في الصبوح يلمنني وألومهنه ويقلن: شيب قد علاك وقد كبرت، فقلت: إنه يريد فقلت نعم، والهاء على ذلك هي هاء السكت، و" هذان " في الآية الكريمة حينئذ مبتدأ، واللام بعده زائدة، و" ساحران " خبر المبتدأ.
ومنها أن " إن " مؤكدة ناصبة للاسم رافعة للخبر، واسمها ضمير شأن محذوف، و" هذان ساحران " مبتدأ وخبر كما في الوجه السابق، والجملة في محل رفع خبر إن، والتقدير: إنه (أي الحال والشأن) هذان لساحران.
" وارفع " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بواو " جار ومجرور متعلق بارفع " وبيا " جار ومجرور متعلق باجرر الآتي، ولقوله انصب معمول مثله حذف لدلالة هذا عليه، أي: اجرر بياء وانصب بياء " اجرر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " وانصب " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا، وهو معطوف بالواو على اجرر " سالم " مفعول به تنازعه كل من ارفع واجرر وانصب وسالم مضاف و" جمع " مضاف إليه، وجمع مضاف إليه و" عامر " مضاف إليه، و" مذنب " معطوف على عامر.
وجاء من ذلك قول الشاعر: زعمت تماضر أنني إما أمت يسدد أبينوها الأصاغر خلتي محل الشاهد في قوله " أبينوها " فإنه جمع مصغر " ابن " جمع مذكر سالما ورفعه بالواو نيابة عن الضمة، ولولا التصغير لما جاز أن يجمعه هذا الجمع، لان ابنا اسم جامد وليس بعلم، وإنما سوغ التصغير ذلك لان الاسم المصغر في قوة الوصف، ألا ترى أن رجيلا في قوة قولك: رجل صغير، أو حقير، وأن أبينا في قوة قولك: ابن صغير؟
ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز جمع العلم المذكر المختوم بتاء التأنيث كطلحة وحمزة جمع مذكر سالما بالواو والنون أو الياء والنون بعد حذف تاء التأنيث التي في المفرد، ووافقهم على ذلك أبو الحسن بن كيسان، وعلى ذلك يقولون: جاء الطلحون والحمزون، ورأيت الطلحين والحمزين، ولهم على ذلك ثلاثة أدلة، الأول: أن هذا علم على مذكر وإن كان لفظه مؤنثا، والعبرة بالمعنى لا باللفظ، والثاني: أن هذه التاء في تقدير الانفصال بدليل سقوطها في جمع المؤنث السالم في قولهم: طلحات، وحمزات، والثالث: أن الإجماع منعقد على جواز جمع العلم المذكر المختوم بألف التأنيث جمع مذكر سالما، فلو سمينا رجلا بحمراء أو حبلى جاز جمعه على حمراوين وحبلين ولا شك أن الاسم المختوم بألف التأنيث أشد تمكنا في التأنيث من المختوم بتاء التأنيث، وإذا جاز جمع الاسم الأشد تمكنا في التأنيث جمع مذكر سالما فجواز جمع الاسم الأخف تمكنا في التأنيث هذا الجمع جائز من باب أولى.
" وشبه " الواو حرف عطف، شبه: معطوف على عامر ومذنب، وشبه مضاف و" ذين " مضاف إليه مبني على الياء في محل جر " وبه " جار ومجرور متعلق بقوله ألحق الآتي " عشرونا " مبتدأ " وبابه " الواو عاطفة، باب: معطوف على قوله عشرون، وباب مضاف والهاء ضمير الغائب العائد إلى قوله عشرونا مضاف إليه " ألحق " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى قوله عشرونا، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " والأهلون " معطوف على قوله عشرون.
" أولو " و" عالمون " و" عليون " و" أرضون ": كلهن معطوف على قوله عشرون " شذ " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على المتعاطفات كلها، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها، لأنها استئنافية، وقيل: بل الجملة في محل رفع خبر عن المتعاطفات، والمتعاطفات مبتدأ، وعلى هذا يكون قد أخبر عن الأخير منها فقط " والسنون " و" بابه " معطوفان على قوله عشرون.
" ومثل " الواو عاطفة أو للاستئناف، مثل: نصب على الحال من الفاعل المستتر في قوله يرد الآتي، ومثل مضاف، و" حين " مضاف إليه " قد " حرف تقليل " يرد " فعل مضارع " ذا " اسم إشارة فاعل يرد " الباب " بدل أو عطف بيان أو نعت لاسم الاشارة " وهو " مبتدأ " عند " ظرف متعلق بيطرد، وعند مضاف و" قوم " مضاف إليه " يطرد " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الضمير المنفصل الواقع مبتدأ، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، وتقدير البيت: وقد يرد هذا الباب (وهو باب سنين) معربا بحركات ظاهرة على النون مع لزوم الياء، مثل إعراب " حين " بالضمة رفعا والفتحة نصبا والكسرة جرا، والإعراب بحركات ظاهرة على النون مع لزوم الياء يطرد في كل جمع المذكر وما ألحق به عند قوم من النحاة أو من العرب.
وقد جمع لفظ " أهل " جمع مذكر سالما شذوذا، وذلك كقول الشنفري: ولي دونكم أهلون: سيد عملس، وأرقط ذهلول، وعرفاء حبأل.
اعلم أن إعراب سنين وبابه إعراب الجمع بالواو رفعا وبالياء نصبا وجرا هي لغة الحجاز وعلياء قيس.
وأما بعض بني تميم وبني عامر فيجعل الإعراب بحركات على النون ويلتزم الياء في جميع الأحوال، وهذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله " ومثل حين " وقد تكلم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذه اللغة، وذلك في قوله يدعو على المشركين من أهل مكة: " اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف " وقد روى هذا الحديث برواية أخرى على لغة عامة العرب: " اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف " فإما أن يكون عليه الصلاة والسلام قد تكلم باللغتين جميعا مرة بهذه ومرة بتلك، لان الدعاء مقام تكرار للمدعو به، وهذا هو الظاهر، وإما أن يكون قد تكلم بإحدى اللغتين، ورواه الرواة بهما جميعا كل منهم رواه بلغة قبيلته، لان الرواية بالمعنى جائزة عند المحدثين، وعلى هذه اللغة جاء الشاهد رقم 7 الذي رواه الشارح، كما جاء قول جرير: أرى مر السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال وقول الشاعر: ألم نسق الحجيج سلي معدا سنينا ما تعد لنا حسابا وقول الآخر: سنيني كلها لاقيت حربا أعد مع الصلادمة الذكور ومن العرب من يلزم هذا الباب الواو، ويفتح النون في كل أحواله، فيكون إعرابه بحركات مقدرة على الواو منع من ظهورها الثقل، ومنهم من يلزمه الواو ويجعل الإعراب بحركات على النون كإعراب زيتون ونحوه، ومنهم من يجري الإعراب الذي ذكرناه أولا في جميع أنواع جمع المذكر وما ألحق به، إجراء له مجرى المفرد، ويتخرج على هذه اللغة قول ذي الأصبع العدواني: إني أبي أبي ذو محافظة وابن أبي أبي من أبيين ويجوز في هذا البيت أن تخرجه على ما خرج عليه بيت سحيم (ش 9) الآتي قريبا فتلخص لك من هذا أن في سنين وبابه أربع لغات، وأن في الجمع عامة لغتين.
البيت للصمة بن عبد الله، أحد شعراء عصر الدولة الأموية، وكان الصمة قد هوى ابنة عم له اسمها ريا، فخطبها، فرضي عمه أن يزوجها له على أن يمهرها خمسين من الإبل، فذكر ذلك لابيه، فساق عنه تسعة وأربعين، فأبى عمه إلا أن يكملها له خمسين وأبى أبوه أن يكملها، ولج العناد بينهما، فلم ير الصمة بدا من فراقهما جميعا، فرحل إلى الشام، فكان وهو بالشام يحن إلى نجد أحيانا ويذمه أحيانا أخرى، وهذا البيت من قصيدة له في ذلك.
اللغة: " دعاني " أي اتركاني، ويروى في مكانه " ذراتي " وهما بمعنى واحد " نجد " بلاد بعينها، أعلاها تهامة واليمن وأسفلها العراق والشام، و" الشيب " - بكسر الشين - جمع أشيب، وهو الذي وخط الشيب شعر رأسه، و" المرد " - بضم فسكون - جمع أمرد، وهو من لم ينبت بوجهه شعر.
الإعراب: " دعاني " دعا: فعل أمر مبني على حذف النون، وألف الاثنين فاعل والنون للوقاية، والياء مفعول به، مبني على الفتح في محل نصب " من نجد " جار ومجرور متعلق بدعاني " فإن " الفاء للتعليل، إن: حرف توكيد ونصب " سنينه " سنين: اسم إن منصوب بالفتحة الظاهرة - وهو محل الشاهد - وسنين مضاف والضمير العائد إلى نجد مضاف إليه، وجملة " لعبن " من الفعل وفاعله في محل رفع خبر إن " بنا " جار ومجرور متعلق بلعبن " شيبا " حال من الضمير المجرور المحل بالباء في بنا، وجملة " شيبننا " من الفعل وفاعله ومفعوله معطوفة بالواو على جملة لعبن " مردا " حال من المفعول به في قوله شيبننا.
الشاهد فيه: قوله " فإن سنينه " حيث نصبه بالفتحة الظاهرة، بدليل بقاء النون مع الإضافة إلى الضمير، فجعل هذه النون الزائدة على بنية الكلمة كالنون التي من أصل الكلمة في نحو مسكين وغسلين، ألا ترى أنك تقول: هذا مسكين، ولقد رأيت رجلا مسكينا، ووقعت عيني على رجل مسكين، وتقول: هذا الرجل مسكينكم، فتكون حركات الإعراب على النون سواء أضيفت الكلمة أم لم تضف، لان مثلها مثل الميم في غلام والباء في كتاب، ولو أن الشاعر اعتبر هذه النون زائدة مع الياء للدلالة على أن الكلمة جمع مذكر سالم لوجب عليه هنا أن ينصبه بالياء ويحذف النون فيقول " فإن سنيه " ومثل هذا البيت قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف " والأبيات التي أنشدناها (في ص 58) وتقدم لنا ذكر ذلك.
" ونون " مفعول مقدم لا فتح، ونون مضاف و" مجموع " مضاف إليه " وما " الواو عاطفة، ما: اسم موصول معطوف على مجموع، مبني على السكون في محل جر " به " جار ومجرور متعلق بالتحق الآتي " التحق " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما، والجملة لا محل لها من الاعراب صلة الموصول " فافتح " الفاء زائدة لتزيين اللفظ، وافتح: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " وقل " فعل ماض " من " اسم موصول في محل رفع فاعل بقل " بكسره " الجار والمجرور متعلق بنطق، وكسر مضاف والضمير العائد على النون مضاف إليه " نطق " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود ألى من، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، وتقدير البيت: افتح نون الاسم المجموع والذي التحق به، وقل من العرب من نطق بهذه النون مسكورة: أي في حالتي النصب والجر أما في حالة الرفع فلم يسمع كسر هذه النون من أحد منهم.
" ونون " الواو عاطفة، نون: مبتدأ، ونو مضاف و" ما " اسم موصول مضاف إليه " ثنى " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة ما " والملحق " معطوف على ما " به " جار ومجرور متعلق بالملحق " بعكس " جار ومجرور متعلق باستعملوه، وعكس مضاف وذا من " ذاك " مضاف إليه، والكاف حرف خطاب " استعملوه " فعل ماض، والواو فاعل، والهاء مفعول به، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو " نون " في أول البيت " فانتبه " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، يريد أن لغة جمهور العرب جارية على أن ينطقوا بنون المثنى مكسورة، وقليل منهم من ينطق بها مفتوحة.
هذا البيت لجرير بن عطية بن الخطفي، من أبيات خاطب بها فضالة العرني، وقبله قوله: عرين من عرينة، ليس منا برئت إلى عرينة من عرين المفردات: " جعفر " اسم رجل من ولد ثعلبة بن يربوع " وبني أبيه " إخوته، وهم عرين وكليب وعبيد " زعانف " جمع زعنفة - بكسر الزاي والنون بينهما عين مهملة ساكنة - وهم الاتباع، وفي القاموس " الزعنفة - بالكسر والفتح - القصير والقصيرة، وجمعه زعانف، وهي أجنحة السمك، وكل جماعة ليس أصلهم واحدا " هـ.
والزعانف أيضا: أهداب الثوب التي تنوس منه، أي تتحرك، ويقال للئام الناس ورذالهم: الزعانف.
الإعراب: " عرفنا " فعل وفاعل " جعفرا " مفعوله " وبني " معطوف على جعفر وبني مضاف وأبي من " أبيه " مضاف إليه، وأبي مضاف وضمير الغائب العائد إلى جعفر مضاف إليه " وأنكرنا " الواو حرف عطف، أنكرنا: فعل وفاعل " زعانف " مفعول به " آخرين " صفة له منصوب بالياء نيابة عن الفتحة لأنه جمع مذكر سالم، وجملة أنكرنا ومعمولاته معطوفة على جملة عرفنا ومعمولاته.
الشاهد فيه: كسر نون الجمع في قوله " آخرين " بدليل أن القصيدة مكسورة حرف القافية، وقد روينا البيت السابق على بيت الشاهد ليتضح لك ذلك، وأول الكلمة قوله: أتوعدني وراء بني رياح؟ كذبت، لتقصرن يداك دوني
هذان البيتان لسحيم بن وثيل الرياحي، من قصيدة له يمدح بها نفسه ويعرض فيها بالابيرد الرياحي ابن عمه، وقبلهما: عذرت البزل إن هي خاطرتني فما بالي وبال ابني لبون؟ وبعدهما قوله: أخو خمسين (مجتمع) ؟ أشدي ونجذني مداورة الشؤون المفردات: " يبتغي " معناه يطلب، ويروى في مكانه " يدرى " بتشديد الدال المهملة، وهو مضارع ادراه، إذا ختله وخدعه.
المعنى: يقول: كيف يطلب الشعراء خديعتي ويطمعون في ختلي وقد بلغت سن التجربة والاختبار التي تمكنني من تقدير الأمور ورد كيد الأعداء إلى نحورهم؟ يريد أنه لا تجوز عليه الحيلة، ولا يمكن لعدوه أن يخدعه.
الإعراب: " أكل " الهمزة للاستفهام، وكل: ظرف زمان متعلق بمحذوف خبر مقدم، وكل مضاف و" الدهر " مضاف إليه " حل " مبتدأ مؤخر " وارتحال " معطوف عليه " أما " أصل الهمزة للاستفهام، وما نافية، وأما هنا حرف استفتاح " يبقى " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الدهر " على " جار ومجرور متعلق بيبقى " ولا " الواو عاطفة، ولا: زائدة لتأكيد النفي " يقيني " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، والنون للوقاية، والياء مفعول به " وماذا " ما: اسم استفهام مبتدأ.
وذا: اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع خبر " تبتغي " فعل مضارع " الشعراء " فاعله " مني " جار ومجرور متعلق بتبتغي، والجملة من الفعل وفاعله لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، والعائد ضمير منصوب بتبتغي، وهو محذوف: أي تبتغيه " وقد " الواو حالية، قد: حرف تحقيق " جاوزت " فعل وفاعل " حد " مفعول به لجاوز، وحد مضاف و" الأربعين " مضاف إليه، مجرور بالياء المكسور ما قبلها تحقيقا المفتوح ما بعدها تقديرا، وقيل: مجرور بالكسرة الظاهرة، لأنه عومل معاملة حين في جعل الإعراب على النون، وسنوضح ذلك في بيان الاستشهاد بالبيت.
الشاهد فيه: قوله " الأربعين " حيث وردت الرواية فيه بكسر النون كما رأيت في أبيات القصيدة، فمن العلماء من خرجه على أنه معرب بالحركات الظاهرة على النون على أنه عومل معاملة المفرد من نحو حين ومسكين وغسلين ويقطين، ومنهم من خرجه على أنه جمع مذكر سالم معرب بالياء نيابة عن الكسرة، ولكنه كسر النون، وعليه الشارح هنا.
ونظيره بيت ذي الأصبع العدواني الذي رويناه لك (ص 65) وقول الفرزدق: ما سد حي ولا ميت مسدهما إلا الخلائف من بعد النبيين
البيت لحميد بن ثور الهلالي الصحابي، أحد الشعراء المجيدين، وكان لا يقاربه شاعر في وصف القطاة، وهو من أبيات قصيدة له يصف فيها القطاة، وأول الأبيات التي يصف فيها القطاة قوله: كما انقبضت كدراء تسقي فراخها بشمظة رفها والمياه شعوب غدت لم تصعد في السماء، وتحتها إذا نظرت أهوية ولهوب فجاءت وما جاء القطا، ثم قلصت بمفحصها، والواردات تنوب.
اللغة: " الاحوذيان " مثنى أحوذي، وهو الخفيف السريع، وأراد به هنا جناح القطاة، يصفها بالسرعة والخفة، و" استقلت " ارتفعت وطارت في الهواء، و" العشية " ما بين الزوال إلى المغرب، و" هي " ضمير غائبة تعود إلى القطاة على تقدير مضافين، وأصل الكلام: فما زمان رؤيتها إلا لمحة وتغيب.
المعنى: يريد أن هذه القطاة قد طارت بجناحين سريعين، فليس يقع نظرك عليها حين تهم بالطيران إلا لحظة يسيرة ثم تغيب عن ناظريك فلا تعود تراها، يقصد أنها شديدة السرعة.
الإعراب: " على أحوذيين " جار ومجرور متعلق باستقلت " استقلت " استقل: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على القطاة التي تقدم وصفها " عشية " ظرف زمان منصوب على الظرفية متعلق باستقلت " فما " الفاء عاطفة، ما: نافية " هي " مبتدأ بتقدير مضافين، والأصل: فما زمان مشاهدتها إلا لمحة وتغيب بعدها " إلا " أداة استثناء ملغاة لا عمل لها " لمحة " خبر المبتدأ " وتغيب " الواو عاطفة، وتغيب فعل مضارع فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على القطاة، والجملة من الفعل والفاعل معطوفة عآلى جملة المبتدأ والخبر.
الشاهد فيه: فتح نون المثنى من قوله " أحوذيين " وهي لغة، وليست بضرورة، لان كسرها يأتي معه الوزن ولا يفوت به غرض.
اعلم أنهم اتفقوا على زيادة نون بعد ألف المثنى ويائه وبعد واو الجمع ويائه، واختلف النحاة في تعليل هذه الزيادة على سبعة أوجه، الأول - وعليه ابن مالك - أنها زيدت دفعا لتوهم الإضافة في " رأيت بنين كرماء " إذ لو قلت " رأيت بني كرماء " لم يدر السامع الكرام هم البنون أم الآباء؟ فلما جاءت النون علمنا أنك إن قلت " بني كرماء " فقد أردت وصف الآباء بالكرم وأن بني مضاف وكرماء مضاف إليه، وإن قلت " بنين كرماء " فقد أردت وصف الأبناء أنفسهم بالكرم وأن كرماء نعت لبنين، وبعدا عن توهم الأفراد في " هذان " ونحو " الخوزلان " و" المهتدين "، إذ لولا النون لالتبست الصفة بالمضاف إليه على ما علمت أولا ولالتبس المفرد بالمثنى أو بالجمع، الثاني أنها زيدت عوضا عن الحركة في الاسم المفرد، وعليه الزجاج، والثالث: أن زيادتها عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وعليه ابن كيسان، وهو الذي يجري على ألسنة المعربين، والرابع: أنها عوض عن الحركة والتنوين معا، وعليه ابن ولاد والجزولي، والخامس: أنها عوض عن الحركة والتنوين فيما كان التنوين والحركة في مفرده كمحمد وعلي، وعن الحركة فقط فيما لا تنوين في مفرده كزينب وفاطمة، وعن التنوين فقط فيما لا حركة في مفرده كالقاضي والفتى، وليست عوضا عن شئ منهما فيما لا حركة ولا تنوين في مفرده كالحبلى، وعليه ابن جنى، والسادس: أنها زيدت فرقا بين نصب المفرد ورفع المثنى، إذ لو حذفت النون من قولك " عليان " لأشكل عليك أمره، فلم تدر أهو مفرد منصوب أم مثنى مرفوع، وعلى هذا الفراء، والسابع: أنها نفس التنوين حرك للتخلص من التقاء الساكنين.
ثم المشهور الكثير أن هذه النون مكسورة في المثنى مفتوحة في الجمع، فأما مجرد حركتها فيهما فلأجل التخلص من التقاء الساكنين، وأما المخالفة بينهما فلتميز كل واحد من الآخر، وأما فتحها في الجمع فلان الجمع ثقيل لدلالته على العدد الكثير والمثنى خفيف، فقصدت المعادلة بينهما، لئلا يجتمع ثقيلان في كلمة، وورد العكس في الموضعين وهو فتحها مع المثنى وكسرها مع الجمع، ضرورة لا لغة، وقيل: ذلك خاص بحالة الياء فيهما، وقيل لا، بل مع الألف والواو أيضا.
وذكر الشيباني وابن جنى أن من العرب من يضم النون في المثنى، وعلى هذا ينشدون قول الشاعر: يا أبتا أرقني القذان فالنوم لا تطعمه العينان وهذا إنما يجئ مع الألف، لا مع الياء. وسمع تشديد نون المثنى في تثنية اسم الإشارة والموصول فقط، وقد قرئ بالتشديد في قوله تعالى: (فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ) وقوله: (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا) وقوله: (إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ) وقوله سبحانه: (رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ) .
البيت لرجل من ضبة كما قال المفضل، وزعم العيني أنه لا يعرف قائله، وقيل: هو لرؤية، والصحيح الأول، وهو من رجز أوله: إن لسلمى عندنا ديوانا يخزي فلانا وابنه فلانا كانت عجوزا عمرت زمانا وهي ترى سيئها إحسانا.
اللغة: " الجيد " العنق " منخرين " مثنى منخر، بزنة مسجد، وأصله مكان النخير وهو الصوت المنبعث من الانف، ويستعمل في الانف نفسه لأنه مكانه، من باب تسمية الحال باسم محله، كإطلاق لفظ القرية وإرادة سكانها " ظبيان " اسم رجل، وقيل: مثنى ظبي، قال أبو زيد " ظبيان: اسم رجل، أراد أشبها منخرى ظبيان "، فحذف، كما قال الله عز وجل: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ) يريد أهل القرية " اه، وتأويل أبي زيد في القرية على أنه مجاز بالحذف، وهو غير التأويل الذي ذكرناه آنفا.
الإعراب: " أعرف " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " منها " جار ومجرور متعلق بأعرف " الجيد " مفعول به لاعرف " والعينانا " معطوف على الجيد منصوب بفتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر " ومنخرين " معطوف على الجيد أيضا، منصوب بالياء نيابة عن الفتحة لأنه مثنى " أشبها " أشبه: فعل ماض، وألف الاثنين فاعل " ظبيانا " مفعول به، منصوب بالفتحة الظاهرة على أنه مفرد كما هو الصحيح، فأما على أنه مثنى فهو منصوب بفتحة مقدرة على الألف كما في قوله " والعينانا " السابق، وذلك على لغة من يلزم المثنى الألف، والجملة من الفعل وفاعله في محل نصب صفة لمنخرين.
الشاهد فيه: قوله " والعينانا " حيث فتح نون المثنى، وقال جماعة منهم الهروي: الشاهد فيه في موضعين: أحدهما ما ذكرنا، وثانيهما قوله " ظبيانا "، ويتأتى ذلك على أنه تثنية ظبي، وهو فاسد من جهة المعنى، والصواب أنه مفرد، وهو اسم رجل كما قدمنا لك عن أبي زيد، وعليه لا شاهد فيه، وزعم بعضهم أن نون " منخرين " مفتوحة، وأن فيها شاهدا أيضا، فهو نظير قول حميد بن ثور " على أحوذيين " الذي تقدم (ش رقم 10) .
حكى ذلك ابن هشام رحمه الله، وشبهة هذا القيل أن الراجز قد جاء بالمثنى بالألف في حاله النصب، وذلك في قوله " والعينانا " وفي قوله " ظبيانا " عند الهروي وجماعة، ثم جاء به بالياء في قوله " منخرين " فجمع بين لغتين من لغات العرب في بيت واحد، وذلك قلما يتفق لعربي، ويرد هذا الكلام شيئان، أولهما: أن أبا زيد رحمه الله قد روى هذه الأبيات، ونسبها لرجل من ضبة، وأبو زيد ثقة ثبت حتى إن سيبويه رحمه الله كان يعبر عنه في كتابه بقوله " حدثني الثقة " أو " أخبرني الثقة " ونحو ذلك، وثانيهما: أن الرواية عند أبي زيد في نوادره: ومنخران أشبها ظبيانا بالألف في " منخرين " أيضا، فلا يتم ما ذكروه من الشبهة لادعاء أن الشاهد مصنوع، فافهم ذلك وتدبره.
" وما " الواو للاستئناف، ما: اسم موصول مبتدأ " بتا " جار ومجرور متعلق بجمع الآتي " وألف " الواو حرف عطف، ألف: معطوف على تا " قد " حرف تحقيق " جمعا " جمع: فعل ماض مبني للمجهول، والألف للإطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة من الفعل ونائب الفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول " يكسر " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الاسم الموصول الواقع مبتدأ، والجملة من الفعل المضارع ونائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ " في الجر " جار ومجرور متعلق بيكسر " وفي النصب " الواو حرف عطف، في النصب: جار ومجرور معطوف بالواو على الجار والمجرور الأول " معا " ظرف متعلق بمحذوف حال.
مثل قضاة في ذلك: بناة، وهداة، ورماة، ونظيرها: غزاة، ودعاة، وكساة، فإن الألف فيها منقلبة عن أصل، لكن الأصل في غزاة ودعاة وكساة واو لا ياء.
ومثل أبيات في ذلك: أموات، وأصوات، وأثبات، وأحوات جمع حوت، وأسحات جمع سحت بمعنى حرام.
اختلف النحويون في جمع المؤنث السالم إذا دخل عليه عامل يقتضي نصبه، فقيل: هو مبني على الكسر في محل نصب مثل هؤلاء وحذام ونحوهما، وقيل: هو معرب، ثم قيل: ينصب بالفتحة الظاهرة مطلقا: أي سواء كان مفرده صحيح الآخر نحو زينبات وطلحات في جمع زينب وطلحة، أم كان معتلا نحو لغات وثبات في جمع لغة وثبة، وقيل: بل ينصب بالفتحة إذا كان مفرده معتلا، وبالكسرة إذا كان مفرده صحيحا، وقيل: ينصب بالكسرة نيابة عن الفتحة مطلقا، حملا لنصبه على جره، كما حمل نصب جمع المذكر السالم - الذي هو أصل جمع المؤنث - على جره فجعلا بالياء، وهذا الأخير هو أشهر الأقوال، وأصحها عندهم، وهو الذي جرى عليه الناظم هنا.
" كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " أولات " مبتدأ مؤخر " والذي " الواو للاستئناف، الذي: اسم موصول مبتدأ أول " اسما " مفعول ثان لجعل الآتي " قد " حرف تحقيق " جعل " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل - وهو المفعول الأول - ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذي، والجملة لا محل لها صلة الموصول " كأذرعات " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كائن كأذرعات " فيه " جار ومجرور متعلق بقبل الآتي " ذا " مبتدأ ثان " أيضا " مفعول مطلق حذف عامله " قبل " فعل ماض، مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، والجملة خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول، وهو الذي، أي: وقد قبل هذا الإعراب في الجمع الذي جعل اسما - كأذرعات، والتقدير الإعرابي للبيت: وأولات كذلك، أي كالجمع بالألف والتاء، والجمع الذي جعل اسما أي سمي به بحيث صار علما، ومثاله أذرعات - هذا الإعراب قد قبل فيه أيضا، وأذرعات في الأصل: جمع أذرعة الذي هو جمع ذراع، كما قالوا: رجالات وبيوتات وجمالات، وقد سمي بأذرعات بلد في الشام كما ستسمع في الشاهد رقم 12.
12 - البيت لامرئ القيس بن حجر الكندي، من قصيدة مطلعها: ألا عم صباحا أيها الطلل البالي وهل يعمن من كان في العصر الخالي اللغة: " تنورتها " نظرت إليها من بعد، وأصل التنور: النظر إلى النار من بعد، سواء أراد قصدها أم لم يرد، و" أذرعات " بلد في أطراف الشام، و" يثرب " اسم قديم لمدينة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أدنى " أقرب " عال " عظيم الارتفاع والامتداد.
الإعراب: " تنورتها " فعل وفاعل ومفعول به " من " حرف جر " أذرعات " مجرور بمن، وعلامة جره الكسرة الظاهرة، إذا قرأته بالجر منونا أو من غير تنوين، فإن قرأته بالفتح قلت: وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لانه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف العلمية والتأنيث، والجار والمجرور متعلق بتنور " وأهلها " الواو للحال، وأهل: مبتدأ، وأهل مضاف والضمير مضاف إليه " بيثرب " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب حال " أدنى " مبتدأ، وأدنى مضاف ودار من " دارها " مضاف إليه، ودار مضاف وضمير الغائبة مضاف إليه " نظر " خبر المبتدأ " عال " نعت لنظر.
الشاهد فيه: قوله " أذرعات " فإن أصله جمع، كما بينا في تقدير بيت الناظم، ثم نقل فصار اسم بلد، فهو في اللفظ جمع، وفي المعنى مفرد، ويروى في هذا البيت بالأوجه الثلاثة التي ذكرها الشارح: فأما من رواه بالجر والتنوين فإنما لاحظ حاله قبل التسمية به، من أنه جمع بالألف والتاء المزيدتين، والذين يلاحظون ذلك يستندون إلى أن التنوين في جمع المؤنث السالم تنوين المقابلة، إذ هو في مقابلة النون التي في جمع المذكر السالم، وعلى هذا لا يحذف التنوين ولو وجد في الكلمة ما يقتضي منع صرفها، لان التنوين الذي يحذف عند منع الصرف هو تنوين التمكين، وهذا عندهم كما قلنا تنوين المقابلة، وأما من رواه بالكسر من غير تنوين - وهم جماعة منهم المبرد والزجاج - فقد لاحظوا فيه أمرين: أولهما أنه جمع بحسب أصله، وثانيهما: أنه علم على مؤنث، فأعطوه من كل جهة شبها، فمن جهة كونه جمعا نصبوه بالكسرة نيابة عن الفتحة، ومن جهة كونه علم مؤنث حذفوا تنوينه، وأما الذين رووه بالفتح من غير تنوين - وهم جماعة منهم سيبويه وابن جنى - فقد لاحظوا حالته الحاضرة فقط، وهي أنه علم مؤنث.
" وجر " الواو للاستئناف، جر: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بالفتحة " جار ومجرور متعلق بجر " ما " اسم موصول مفعول به لجر، مبني على السكون في محل نصب " لا " نافية " ينصرف " فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وسكن للوقف، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة لا محل لها صلة الموصول " ما " مصدرية ظرفية " لم " حرف نفي وجزم وقلب " يضف " فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم، وعلامة جزمه السكون، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه، والجملة صلة ما المصدرية " أو " عاطفة " يك " معطوف على يضف، مجزوم بسكون النون المحذوفة للتخفيف، وهو متصرف من كان الناقصة، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة " بعد " ظرف متعلق بمحذوف خبر يك، وبعد مضاف و" أل " مضاف إليه مقصود لفظه " ردف " فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، وسكن للوقف، والفاعل ضمير مستتر فيه، والجملة في محل نصب حال من الاسم الموصول وهو ما: أي اجرر بالفتحة الاسم الذي لا ينصرف مدة عدم إضافته وكونه غير واقع بعد أل.
قد دخلت أل على العلم إما للمح الأصل وإما لكثرة شياعه بسبب تعدد المسمى بالاسم الواحد وإن تعدد الوضع، وقد أضيف العلم لذلك السبب أيضا، فمن أمثلة دخول أل على العلم قول الراجز: باعد أم العمرو من أسيرها حراس أبواب على قصورها ومن أمثلة إضافة العلم قول الشاعر: علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم بأبيض ماضي الشفرتين يمان.
سواء أكانت " أل " معرفة، نحو " الصلاة في المساجد أفضل منها في المنازل " أو موصولة كالأعمى والأصم، واليقظان، أو زائدة كقول ابن ميادة يمدح الوليد بن يزيد: رأيت الوليد بن اليزيد مباركا شديدا بأعباء الخلافة كاهله فأن الاسم مع كل واحد منها يجر بالكسرة.
" واجعل " الواو للاستئناف، اجعل: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " لنحو " جار ومجرور متعلق باجعل، ونحو مضاف، و" يفعلان " قصد لفظه: مضاف إليه " النونا " مفعول به لاجعل " رفعا " مفعول لاجله، أو منصوب على نزع الخافض " وتدعين " الواو عاطفة، وتدعين: معطوف على يفعلان، وقد قصد لفظه أيضا " وتسألونا " الواو عاطفة، تسألون: معطوف على يفعلان، وقد قصد لفظه أيضا، وأراد من " نحو يفعلان " كل فعل مضارع اتصلت به ألف الاثنين، وأراد من نحو تدعين كل فعل مضارع اتصلت به ياء المؤنثة المخاطبة، ومن نحو تسألون كل فعل مضارع اتصلت به واو الجماعة.
" وحذفها " الواو للاستئناف، حذف: مبتدأ، وحذف مضاف، وها: مضاف إليه " للجزم " جار ومجرور متعلق بسمة الآتي " والنصب " معطوف على الجزم " سمة " خبر المبتدأ، والسمة - بكسر السين المهملة - العلامة، وفعلها وسم يسم سمة على مثال وعد يعد عدة ووصف يصف صفة وومق يمق مقة " كلم " الكاف حرف جر، والمجرور بها محذوف، والتقدير: وذلك كائن كقولك، ولم: حرف نفي وجزم وقلب " تكوني " فعل مضارع متصرف من كان الناقصة مجزوم بلم، وعلامة جزمه حذف النون، وياء المؤنثة المخاطبة اسم تكون، مبني على السكون في محل رفع " لترومي " اللام لام الجحود، وترومي فعل مضارع منصوب بأن المضمرة وجوبا بعد لام الجحود، وعلامة نصبه حذف النون، والياء فاعل " مظلمة " مفعول به لترومي، والمظلمة - بفتح اللام - الظلم، وأن المصدرية المضمرة مع مدخولها في تأويل مصدر مجرور بلام الجحود، واللام ومجرورها يتعلقان بمحذوف خبر تكوني، وجملة تكون واسمها وخبرها في محل نصب مقول القول الذي قدرناه.
" وسم " الواو للاستئناف، سم: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " معتلا " مفعول ثان لسم مقدم على المفعول الاول " من الأسماء " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ما " ما " اسم موصول مفعول أول لسم، مبني على السكون في محل نصب " كالمصطفى " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول " والمرتقي " معطوف على المصطفى " مكارما " مفعول به للمرتقي، والمعنى: اسم ما كان آخره ألفا كالمصطفى، أو ما كان آخره ياء كالمرتقي، حال كونه من الأسماء، لا من الأفعال معتلا.
" فالأول " مبتدأ أول " الإعراب " مبتدأ ثان " فيه " جار ومجرور متعلق بقدر الآتي " قدرا " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الإعراب، والألف للإطلاق " جميعه " جميع: توكيد لنائب الفاعل المستتر، وجميع مضاف والهاء مضاف إليه، والجملة من الفعل ونائب الفاعل خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول، ويجوز أن يكون " جميعه " هو نائب الفاعل لقدر، وعلى ذلك لا يكون في " قدر " ضمير مستتر، كما يجوز أن يكون " جميعه " توكيدا للإعراب ويكون في " قدر " ضمير مستتر عائد إلى الإعراب أيضا " هو الذي " مبتدأ وخبر " قد " حرف تحقيق " قصرا " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الذي، والألف للإطلاق، والجملة لا محل لها صلة الذي، والمعنى: فالأول - وهو ما آخره ألف من الأسماء كالمصطفى - الإعراب جميعه: أي الرفع والنصب والجر، قدر على آخره الذي هو الألف، وهذا النوع هو الذي قد قصرا: أي سمي مقصورا، من القصر بمعنى الحبس، وإنما سمي بذلك لأنه قد حبس ومنع من جنس الحركة.
" والثان منقوص " مبتدأ وخبر " ونصبه " الواو عاطفة، نصب: مبتدأ، ونصب مضاف والهاء ضمير الغائب العائد على الثاني مضاف إليه " ظهر " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على نصب، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو نصب " ورفعه " الواو عاطفة، ورفع: مبتدأ، ورفع مضاف والهاء مضاف إليه " ينوى " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على رفع، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو رفع " كذا " جار ومجرور متعلق بيجر " أيضا " مفعول مطلق لفعل محذوف " يجر " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المنقوص.
من العرب من يعامل المنقوص في حالة النصب معاملته إياه في حالتي الرفع والجر، فيقدر فيه الفتحة على الياء أيضا، إجراء للنصب مجرى الرفع والجر، وقد جاء من ذلك قول مجنون ليلى: ولو أن واش باليمامة داره وداري بأعلى حضر موت اهتدى ليا وقول بشر بن أبي خازم، وهو عربي جاهلي: كفى بالنأي من أسماء كافي وليس لنأيها إذ طال شافي فأنت ترى المجنون قال " أن واش " فسكن الياء ثم حذفها مع أنه منصوب، لكونه اسم أن، وترى بشرا قال " كافي " مع أنه حال من النأي أو مفعول مطلق.
وقد اختلف النحاة في ذلك، فقال المبرد: هو ضرورة، ولكنها من أحسن ضرورات الشعر، والأصح جوازه في سعة الكلام، فقد قرئ (من أوسط ما تطعمون أهاليكم) بسكون الياء.
من العرب من يعامل المنقوص في حالتي الرفع والجر كما يعامله في حالة النصب، فيظهر الضمة والكسرة على الياء كما يظهر الفتحة عليها، وقد ورد من ذلك قول جرير ابن عطية: فيوما يوافين الهوى غير ماضي ويوما ترى منهن غولا تغول وقول الآخر: لعمرك ما تدري متى أنت جائي ولكن أقصى مدة الدهر عاجل وقول الشماخ بن ضرار الغطفاني: كأنها وقد بدا عوارض وفاض من أيديهن فائض وقول جرير أيضا: وعرق الفرزدق شر العروق خبيث الثرى كأبي الأزند ولا خلاف بين أحد من النحاة في أن هذا ضرورة لا تجوز في حالة السعة، والفرق بين هذا والذي قبله أن فيما مضى حمل حالة واحدة على حالتين، ففيه حمل النصب على حالتي الرفع والجر، فأعطينا الأقل حكم الأكثر، ولهذا جوزه بعض العلماء في سعة الكلام، وورد في قراءة جعفر الصادق رضي الله عنه: (من أوسط ما تطعمون أهاليكم) أما هذا ففيه حمل حالتين وهما حالة الرفع وحالة الجر على حالة واحدة وهي حالة النصب، وليس من شأن الأكثر أن يحمل على الأقل، ومن أجل هذا اتفقت كلمة النحاة على أنه ضرورة يغتفر منها ما وقع فعلا في الشعر، ولا ينقاس عليها.
" أي " اسم شرط مبتدأ، وأي مضاف و" فعل " مضاف إليه " آخر " مبتدأ " منه " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لآخر، وهو الذي سوغ الابتداء به " ألف " خبر المبتدأ الذي هو آخر، والجملة مفسرة لضمير مستتر في كان محذوفا بعد أي الشرطية: أي فهذه الجملة في محل نصب خبر كان المحذوفة مع اسمها، وكان هي فعل الشرط، وقيل: آخر اسم لكان المحذوفة، وألف خبرها، وإنما وقف عليه بالسكون مع أن المنصوب المنون بوقف عليه بالألف على لغة ربيعة التي تقف على المنصوب المنون بالسكون، ويبعد هذا الوجه كون قوله " أو واو أو ياء " مرفوعين، وإن أمكن جعلهما خبرا لمبتدأ محذوف وتكون " أو " قد عطفت جملة على جملة " أو واو أو ياء " معطوفان على ألف " فمعتلا " الفاء واقعة في جواب الشرط، و" معتلا " حال من الضمير المستتر في عرف مقدم عليه " عرف " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على فعل، وخبر " أي " هو مجموع جملة الشرط والجواب على الذي نختاره في أخبار أسماء الشرط الواقعة مبتدأ، والتقدير: أي فعل مضارع كان هو - أي الحال والشأن - آخره ألف أو واو أو ياء فقد عرف هذا الفعل بأنه معتل، يريد أن المعتل من الأفعال المعربة هو ما آخره حرف علة ألف أو واو أو ياء.
" فالألف " مفعول لفعل محذوف يفسره ما بعده، وهو على حذف " في " توسعا، والتقدير: ففي الألف انو " انو " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " فيه " جار ومجرور متعلق بانو " غير " مفعول به لانو، وغير مضاف و" الجزم " مضاف إليه " وأبد " الواو حرف عطف، أبد: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " نصب " مفعول به لابد، ونصب مضاف و" ما " اسم موصول مضاف إليه، مبني على السكون في محل جر " كيدعو " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة لما " يرمي " معطوف على يدعو مع إسقاط حرف العطف، يريد أن ما كان من الأفعال المعربة آخره ألف يقدر فيه الرفع والنصب اللذان هما غير الجزم، وما كان من الأفعال المعربة آخره واو كيدعو أو ياء كيرمي يظهر فيه النصب.
" والرفع " الواو حرف عطف، الرفع: مفعول به مقدم على عامله وهو انو الآتي " فيهما " جار ومجرور متعلق بانو " انو " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " واحذف " فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " جزما " حال من فاعل احذف المستتر فيه " ثلاثهن " مفعول به لا حذف بتقدير مضاف، ومعمول جازما محذوف، والتقدير: واحذف أواخر ثلاثهن حال كونك جازما الأفعال، أو يكون " ثلاثهن " مفعولا لجازما، ومعمول احذف هو المحذوف، والتقدير: واحذف أحرف العلة حال كونك جازما ثلاثهن " تقض " فعل مضارع مجزوم في جواب الأمر الذي هو احذف، وعلامة جزمه حذف الياء والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " حكما " مفعول به لتقض على تضمينه معنى تؤدى " لازما " نعت لحكما.
============================
النكرة والمعرفة
شرح ابن عقيل - المجلد الأول - النكرة والمعرفة المؤلف ابن عقيل
العلم ←
ملاحظات: النكرة والمعرفة1
نكرة قابل أل مؤثرا
أو واقع موقع ما قد ذكرا2
النكرة: ما يقبل أل وتؤثر فيه التعريف أو يقع موقع ما يقبل أل 3 فمثال ما يقبل أل وتؤثر فيه التعريف رجل فتقول الرجل واحترز بقوله وتؤثر فيه التعريف مما يقبل أل ولا تؤثر فيه التعريف كعباس علما فإنك تقول فيه العباس فتدخل عليه أل لكنها لم تؤثر فيه التعريف لأنه معرفة قبل دخلوها عليه ومثال ما وقع موقع ما يقبل أل ذو التي بمعنى صاحب نحو جاءني ذو مال أي صاحب مال فذو نكرة وهي لا تقبل أل لكنها واقعة موقع صاحب وصاحب يقبل "أل" نحو: الصاحب.
وغيره معرفة كهم وذي
وهند وابني والغلام والذي4
أي غير النكرة المعرفة وهي ستة أقسام:
المضمر كهم واسم الإشارة كذي والعلم كهند والمحلى بالألف واللام كالغلام والموصول كالذي وما أضيف إلى واحد منها كابني وسنتكلم على هذه الأقسام.
فما لذي غيبة أو حضور
كأنت وهو سم بالضمير5
يشير إلى أن الضمير ما دل على غيبة كهو أو حضور وهو قسمان أحدهما: ضمير المخاطب نحو أنت والثاني: ضمير المتكلم نحو أنا.
وذو اتصال منه ما لا يبتدا
ولا يلي إلا اختيارا أبدا6
كالياء والكاف من ابني أكرمك
والياء والها من سليه ما ملك7
الضمير البارز ينقسم: إلى متصل ومنفصل فالمتصل هو: الذي لا يبتدأ به كالكاف من أكرمك ونحوه ولا يقع بعد إلا في الاختيار8 فلا يقال ما أكرمت إلاك وقد جاء شذوذا في الشعر كقوله:
أعوذ برب العرش من فئة بغت
عليّ فما لي عوض إلاه ناصر9
وقوله:
وما علينا إذا ما كنت جارتنا
أن لا يجاورنا إلاك ديار10
وكل مضمر له البنا يجب
ولفظ ما جر كلفظ ما نصب11
المضمرات كلها مبنية لشبهها بالحروف في الجمود12 ولذلك لا تصغر ولا نثني ولا تجمع وإذا ثبت أنها مبنية فمنها ما يشترك فيه الجر والنصب وهو كل ضمير نصب أو جر متصل نحو أكرمتك ومررت بك وإنه وله فالكاف في أكرمتك في موضع نصب وفى بك في موضع جر والهاء في إنه في موضع نصب وفي له في موضع جر.
ومنها ما يشترك فيه الرفع والنصب والجر وهو "نا" وأشار إليه بقوله:
للرفع والنصب وجر نا صلح
كأعرف بنا فإننا نلنا المنح13
أي صلح لفظ نا للرفع نحو نلنا وللنصب نحو فإننا وللجر نحو بنا.
ومما يستعمل للرفع والنصب والجر الياء فمثال الرفع نحو: اضربي ومثال النصب نحو أكرمني ومثال الجر نحو مر بي.ويستعمل في الثلاثة أيضا هم فمثال الرفع هم قائمون ومثال النصب أكرمتهم ومثال الجر لهم.وإنما لم يذكر المصنف الياء وهم لأنهما لا يشبهان "نا" من كل وجه لأن "نا" تكون للرفع والنصب والجر والمعنى واحد وهي ضمير متصل في الأحوال الثلاثة بخلاف الياء فإنها وإن استعملت للرفع والنصب والجر وكانت ضميرا متصلا في الأحوال الثلاثة لم تكن بمعنى واحد في الأحوال الثلاثة لأنها في حال الرفع للمخاطب (١) وفي حالتي النصب والجر للمتكلم وكذلك هم لأنها وإن كانت بمعنى واحد في الأحوال الثلاثة فليست مثل "نا" لأنها في حالة الرفع ضمير منفصل وفي حالتي النصب والجر ضمير متصل.
وألف والواو والنون لما
غاب وغيره كقاما واعلما14
الألف والواو والنون من ضمائر الرفع المتصلة وتكون للغائب وللمخاطب فمثال الغائب الزيدان قاما والزيدون قاموا والهندات قمن ومثال المخاطب اعلما واعلموا واعلمن ويدخل تحت قول المصنف وغيره المخاطب والمتكلم وليس هذا بجيد لأن هذه الثلاثة لا تكون للمتكلم أصلا بل إنما تكون للغائب أو المخاطب كما مثلنا.
ومن ضمير الرفع ما يستتر
كافعل أوافق نغتبط إذ تشكر15
ينقسم الضمير إلى مستتر وبارز16 والمستتر إلى واجب الاستتار وجائزه.
والمراد بواجب الاستتار ما لا يحل محله الظاهر والمراد بجائز الاستتار ما يحل محله الظاهر وذكر المصنف في هذا البيت من المواضع التي يجب فيها الاستتار أربعة:
الأول: فعل الأمر للواحد المخاطب كافعل التقدير أنت وهذا الضمير لا يجوز إبرازه لأنه لا يحل محله الظاهر فلا تقول افعل زيد فأما افعل أنت فأنت تأكيد للضمير المستتر في افعل وليس بفاعل لا فعل لصحة الاستغناء عنه فتقول افعل فإن كان الأمر لواحدة أو لاثنين أو لجماعة برز الضمير نحو اضربي واضربا واضربوا واضربن.
الثاني: الفعل المضارع الذي في أوله الهمزة نحو أوافق والتقدير أنا فإن قلت أوافق أنا كان أنا تأكيدا للضمير المستتر.
الثالث: الفعل المضارع الذي في أوله النون نحو نغتبط أي نحن.
الرابع: الفعل المضارع الذي في أوله التاء لخاطب الواحد نحو تشكر أي أنت فإن كان الخطاب لواحدة أو لاثنين أو لجماعة برز الضمير نحو: أنت تفعلين وأنتما تفعلان وأنتم تفعلون وأنتن تفعلن.
هذا17 ما ذكره المصنف من المواضع التي يجب فيها استتار الضمير. ومثال جائز الاستتار زيد يقوم أي هو وهذا الضمير جائز الاستتار لأنه يحل محله الظاهر فتقول زيد يقوم أبوه وكذلك كل فعل أسند إلى غائب أو غائبة نحو هند تقوم وما كان بمعناه نحو زيد قائم أي هو.
وذو ارتفاع وانفصال أنا
هو وأنت والفروع لا تشتبه18
تقدم أن الضمير ينقسم إلى مستتر وإلى بارز وسبق الكلام في المستتر والبارز ينقسم إلى متصل ومنفصل فالمتصل: يكون مرفوعا ومنصوبا ومجرورا وسبق الكلام في ذلك والمنفصل: يكون مرفوعا ومنصوبا ولا يكون مجرورا.
وذكر المصنف في هذا البيت المرفوع المنفصل وهو: اثنا عشر أنا للمتكلم وحده ونحن للمتكلم المشارك أو المعظم نفسه وأنت للمخاطب وأنت للمخاطبة وأنتما للمخاطبين أو المخاطبتين وأنتم للمخاطبين وأنتن للمخاطبات و"هو" للغائب و"هي" للغائبة و"هما" للغائبين أو الغائبتين و"هم" للغائبين و"هن" للغائبات.
وذو انتصاب في انفصال جعلا
إياي والتفريع ليس مشكلا19
أشار في هذا البيت إلى المنصوب المنفصل وهو: اثنا عشر "أياي" للمتكلم وحده و"إيانا" للمتكلم المشارك أو المعظم نفسه و"إياك" للمخاطب و"إياك" للمخاطبة و"إياكما" للمخاطبين أو المخاطبتين و"إياكم" للمخاطبين و"إياكن" للمخاطبات و"إياه" للغائب و"إياها" للغائبة و"إياهما" للغائبين أو الغائبتين و"إياهم" للغائبين و"إياهن" للغائبات.20
وفي اختيار لا يجيء المنفصل
إذا تأتى أن يجيء المتصل21
كل موضع أمكن أن يؤتى فيه بالضمير المتصل لا يجوز العدول عنه إلى المنفصل إلا فيما سيذكره المصنف فلا تقول في أكرمتك أكرمت إياك لأنه يمكن الإتيان بالمتصل فتقول أكرمتك. فإن لم يمكن الإتيان بالمتصل تعين المنفصل نحو إياك أكرمت22 وقد جاء الضمير في الشعر منفصلا مع إمكان الإتيان به متصلا كقوله:
بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت
إياهم الأرض في دهر الدهارير23
وصل أو افصل هاء سلنيه وما
أشبهه في كنته الخلف انتمى24
كذاك خلتنيه، واتصالا
أختار غيري اختار الانفصالا25
أشار في هذين البيتين إلى المواضع التي يجوز أن يؤتى فيها بالضمير منفصلا مع إمكان أن يؤتى به متصلا فأشار بقوله سلنيه إلى ما يتعدى إلى مفعولين الثاني منهما ليس خبرا في الأصل وهما ضميران نحو الدرهم سلنيه فيجوز لك في هاء سلنيه الاتصال نحو سلنيه والانفصال نحو سلني إياه وكذلك كل فعل أشبهه نحو الدرهم أعطيتكه وأعطيتك إياه.
وظاهر كلام المصنف أنه يجوز في هذه المسألة الانفصال والاتصال على السواء وهو ظاهر كلام أكثر النحويين وظاهر كلام سيبويه أن الاتصال فيها واجب وأن الانفصال مخصوص بالشعر وأشار بقوله:
في كنته الخلف انتمى إلى أنه إذا كان خبر كان وأخواتها ضميرا فإنه يجوز اتصاله وانفصاله واختلف في المختار منهما فاختار المصنف الاتصال نحو كنته واختار سيبويه الانفصال نحو كنت إياه26 تقول الصديق كنته وكنت إياه.
وكذلك المختار عند المصنف الاتصال في نحو خلتنيه27 وهو كل فعل تعدى إلى مفعولين الثاني منهما خبر في الأصل وهما ضميران ومذهب سيبويه أن المختار في هذا أيضا الانفصال نحو خلتني إياه ومذهب سيبويه أرجح لأنه هو الكثير في لسان العرب على ما حكاه سيبويه عنهم وهو المشافه لهم قال الشاعر:
إذا قالت حذام فصدقوها
فإن القول ما قالت حذام28
وقدم الأخص في اتصال
وقدمن ما شئت في انفصال29
ضمير المتكلم أخص من ضمير المخاطب وضمير المخاطب أخص من ضمير الغائب فإن اجتمع ضميران منصوبان أحدهما أخص من الآخر فإن كانا متصلين وجب تقديم الأخص منهما فتقول الدرهم أعطيتكه وأعطيتنيه بتقديم الكاف والياء على الهاء لأنهما أخص من الهاء لأن الكاف للمخاطب والياء للمتكلم والهاء للغائب ولا يجوز تقديم الغائب مع الاتصال فلا تقول أعطيتهوك ولا أعطيتهمونى وأجازه قوم ومنه ما رواه ابن الأثير في غريب الحديث من قول عثمان رضي الله عنه أراهمني الباطل شيطانا فإن فصل أحدهما كنت بالخيار فإن شئت قدمت الأخص فقلت الدرهم أعطيتك إياه وأعطيتني إياه وإن شئت قدمت غير الأخص فقلت أعطيته إياك وأعطيته إياي وإليه. أشار بقوله وقدمن ما شئت في انفصال وهذا الذي ذكره ليس على إطلاقه بل إنما يجوز تقديم غير الأخص في الانفصال عند أمن اللبس فإن خيف لبس لم يجز فإن قلت زيد أعطيتك إياه30 لم يجز تقديم الغائب فلا تقول زيد أعطيته إياك لأنه لا يعلم هل زيد مأخوذ أو آخذ.
وفي اتحاد الرتبة الزم فصلا
وقد يبيح الغيب فيه وصلا31
إذا اجتمع ضميران وكانا منصوبين واتحدا في الرتبة كأن يكونا لمتكلمين أو مخاطبين أو غائبين فإنه يلزم الفصل في أحدهما فتقول أعطيتني إياي وأعطيتك إياك وأعطيته إياه ولا يجوز اتصال الضميرين فلا تقول أعطيتني ولا أعطيتكك ولا أعطيتهوه نعم إن كانا غائبين واختلف لفظهما فقد يتصلان نحو الزيدان الدرهم أعطيتهماه وإليه أشار بقوله في الكافية:
مع اختلاف ما ونحو ضمنت
إياهم الأرض الضرورة اقتضت
وربما أثبت هذا البيت في بعض نسخ الألفية وليس منها وأشار بقوله ونحو ضمنت إلى آخر البيت إلى أن الإتيان بالضمير منفصلا في موضع يجب فيه اتصاله ضرورة كقوله:
بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت
إياهم الأرض في دهر الدهارير
وقد تقدم ذكر ذلك.
وقبل يا النفس مع الفعل التزم
نون وقاية وليسي قد نظم32
إذا اتصل بالفعل ياء المتكلم لحقته لزوما نون تسمى نون الوقاية وسميت بذلك لأنها تقي الفعل من الكسر وذلك نحو أكرمني ويكرمني وأكرمني وقد جاء حذفها مع "ليس" شذوذا كما قال الشاعر:
عددت قومي كعديد الطيس
إذ ذهب القوم الكرام ليسي33
واختلف في أفعل في التعجب هل تلزمه نون الوقاية أم لا فتقول ما أفقرني إلى عفو الله وما أفقري إلى عفو الله عند من لا يلتزمها فيه والصحيح أنها تلزم.34
وليتني فشاوليتي ندرا
ومع لعل اعكس وكن مخبرا35
في البقايات واضطرارا خففا
مني وعني بعض من قد سلفا36
ذكر في هذين البيتين حكم نون الوقاية مع الحروف فذكر ليت وأن نون الوقاية لا تحذف منها إلا نذورا كقوله:
كمنية جابر إذ قال ليتي
أصادفه وأتلف جل مالي37
والكثير في لسان العرب ثبوتها وبه ورد القرآن قال الله تعالى: ﴿يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ﴾ [النساء:73] وأما لعل فذكر أنها بعكس ليت فالفصيح تجريدها من النون كقوله تعالى حكاية عن فرعون: ﴿لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ﴾ [غافر:36] ويقل ثبوت النون كقول الشاعر:
فقلت أعيراني القدوم لعلني
أخط بها قبرا لأبيض ماجد38
ثم ذكر أنك بالخيار في الباقيات أي في باقي أخوات ليت ولعل وهي إن وأن وكأن ولكن فتقول إني وإنني وأني وأنني وكأني وكأنني ولكني ولكنني ثم ذكر أن من وعن تلزمهما نون الوقاية فتقول مني وعني بالتشديد ومنهم من يحذف النون فيقول مني وعني بالتخفيف وهو شاذ قال الشاعر:
أيها السائل عنهم وعني
لست من قيس ولا قيس مني39
وفي لدني لدني قل وفي
قدني وقطني الحذف أيضا قد يفي40
أشار بهذا إلى أن الفصيح في لدني إثبات النون كقوله تعالى: ﴿قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا﴾ [الكهف:76] ويقل حذفها كقراءة من قرأ من لدني بالتخفيف. والكثير في قد وقط ثبوت النون نحو قدني وقطني ويقل الحذف نحو قدي وقطي أي حسبي وقد اجتمع الحذف والإثبات في قوله:
قدني من نصر الخبيبين قدي
ليس الإمام بالشحيح الملحد41
هامش
" نكرة " مبتدأ، وجاز الابتداء بها لأنها في معرض التقسيم، أو لكونها جارية على موصوف محذوف، أي: اسم نكرة، ويؤيد ذلك الأخير كون الخبر مذكرا " قابل " خبر المبتدأ، ويجوز العكس، لكن الأول أولى، لكون النكرة هي المحدث عنها، وقابل مضاف، و" أل " مضاف إليه، مقصود لفظه " مؤثرا " حال من أل " أو " عاطفة " واقع " معطوف على قابل، و" موقع " مفعول فيه ظرف مكان، وموقع مضاف و" ما " اسم موصول مبني على السكون في محل جر مضاف إليه " قد " حرف تحقيق " ذكرا " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى قابل أل، والألف للإطلاق، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.
=====================
اعترض قوم على هذا التعريف بأنه غير جامع، وذلك لأن لنا أسماء نكرات لا تقبل أل ولا تقع موقع ما يقبل أل، وذلك الحال في نحو " جاء زيد راكبا " والتمييز في نحو " اشتريت رطلا عسلا " واسم لا النافية للجنس في نحو " لا رجل عندنا " ومجرور رب في نحو " رب رجل كريم لقيته ".
والجواب أن هذه كلها تقبل أل من حيث ذاتها، لا من حيث كونها حالا أو تمييزا أو اسم لا.
واعترض عليه أيضا بأنه غير مانع، وذلك لان بعض المعارف يقبل أل نحو يهود ومجوس، فإنك تقول: اليهود، والمجوس، وبعض المعارف يقع موقع ما يقبل أل، مثل ضمير الغائب العائد إلى نكرة، نحو قولك: لقيت رجلا فأكرمته، فإن هذا الضمير واقع موقع رجل السابق وهو يقبل أل.
والجواب أن يهود ومجوس اللذين يقبلان أل هما جمع يهودي ومجوسي، فهما نكرتان، فإن كانا علمين على القبيلين المعروفين لم يصح دخول أل عليهما، وأما ضمير الغائب العائد إلى نكرة فهو عند الكوفيين نكرة، فلا يضر صدق هذا التعريف عليه، والبصريون يجعلونه واقعا موقع " الرجل " لا موقع رجل، وكأنك قلت: لقيت رجلا فأكرمت الرجل، كما قال تعالى: (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول) وإذا كان كذلك فهو واقع موقع ما لا يقبل أل، فلا يصدق التعريف عليه.
" وغيره " غير: مبتدأ، وغير مضاف والهاء العائد على النكرة مضاف إليه " معرفة " خبر المبتدأ " كهم " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كهم " وذي، وهند، وابنى، والغلام، والذي " كلهن معطوفات على هم، وفي عبارة المصنف قلب، وكان حقه أن يقول: والمعرفة غير ذلك، لان المعرفة هي المحدث عنها.
وهذه العبارة تنبئ عن انحصار الاسم في النكرة والمعرفة، وذلك هو الراجح عند علماء النحو، ومنهم قوم جعلوا الاسم على ثلاثة أقسام: الاول النكرة، وهو ما يقبل أل كرجل وكريم، والثاني: المعرفة، وهو ما وضع ليستعمل في شئ بعينه كالضمير والعلم، والثالث: اسم لا هو نكرة ولا هو معرفة، وهو ما لا تنوين فيه ولا يقبل أل كمن وما، وهذا ليس بسديد.
" فما " اسم موصول مفعول به أول اسم، مبني على السكون في محل نصب " لذي " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة ما، وذي مضاف و" غيبة " مضاف إليه " أو " عاطفة " حضور " معطوف على غيبة " كأنت " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أو متعلق بمحذوف حال من ما " وهو " معطوف على أنت " سم " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بالضمير " جار ومجرور متعلق بسم، وهو المفعول الثاني لسم.
" وذو " مبتدأ، وذو مضاف و" اتصال " مضاف إليه " منه " جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لذي اتصال " ما " اسم موصول خبر المبتدأ، مبني على السكون في محل رفع " لا " نافية " يبتدا " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، والجملة لا محل صلة الموصول، والعائد محذوف، أي: لا يبتدأ به، كذا قال الشيخ خالد، وهو عجيب غاية العجب، لان نائب الفاعل إذا كان راجعا إلى ما كان هو العائد، وإن كان راجعا إلى شئ آخر غير مذكور فسد الكلام، ولزم حذف العائد المجرور بحرف جر مع أن الموصول غير مجرور بمثله، وذلك غير جائز، والصواب أن في قوله يبتدأ ضميرا مستترا تقديره هو يعود إلى ما هو العائد، وأن أصل الكلام ما لا يبتدأ به، فالجار والمجرور نائب فاعل، فحذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير فاستتر فيه، فتدبر ذلك وتفهمه " ولا " الواو عاطفة، لا: نافية " يلي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة معطوفة على جملة الصلة " إلا " قصد لفظه: مفعول به ليلى " اختيارا " منصوب على نزع الخافض، أي: في الاختيار " أبدا " ظرف زمان متعلق بيلي.
" كالياء " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كائن كالياء " والكاف " معطوف على الياء " من " حرف جر " ابني " مجرور بمن، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من الياء " أكرمك " أكرم: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ابني، والكاف مفعول به، والجملة في محل نصب حال من قوله " الكاف " بإسقاط العاطف الذي يعطفها على الحال الاولى " والياء والهاء " معطوفان على الياء السابقة " من " حرف جار لقول محذوف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال، أي والياء والهاء حال كونهما من قولك إلخ " سليه " سل: فعل أمر، وياء المخاطبة فاعل، والهاء مفعول أول " ما " اسم موصول مفعول ثان لسلي " ملك " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، والجملة لا محل لها من الاعراب صلة ما.
أجاز جماعة - منهم ابن الأنباري - وقوعه بعد إلا اختيارا، وعلى هذا فلا شذوذ في البيتين ونحوهما.
هذا البيت من الشواهد التي لا يعرف لها قائل.
اللغة: " أعوذ " ألتجئ وأتحصن، و" الفئة " الجماعة، و" البغي " العدوان والظلم، و" عوض " ظرف يستغرق الزمان المستقبل مثل " أبدا " إلا أنه مختص بالنفي، وهو مبني على الضم كقبل وبعد. المعنى: إني ألتجئ إلى رب العرش وأتحصن بحماه من جماعة ظلموني وتجاوزوا معي حدود النصفة، فليس لي معين ولا وزر سواه.
الإعراب: " أعوذ " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " برب " جار ومجرور متعلق بأعوذ، ورب مضاف و" العرش " مضاف إليه " من فئة " جار ومجرور متعلق بأعوذ " بغت " بغي: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى فئة، والتاء للتأنيث، والجملة في محل جر صفة لفئة " على " جار ومجرور متعلق ببغي " فما " نافية " لي " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " عوض " ظرف زمان مبني على الضم في محل نصب متعلق بناصر الآتي " إلاه " الا: حرف استثناء، والهاء ضمير وضع للغائب، وهو هنا عائد إلى رب العرش، مستثنى مبني على الضم في محل نصب " ناصر " مبتدأ مؤخر. الشاهد فيه: قوله " إلاه " حيث وقع الضمير المتصل بعد إلا، وهو شاذ لا يجوز إلا في ضرورة الشعر، إلا عند ابن الأنباري ومن ذهب نحو مذهبه، فإن ذلك عندهم سائغ جائز في سعة الكلام، ولك عندهم أن تحذو على مثاله.
وهذا البيت أيضا من الشواهد التي لا يعرف قائلها.
اللغة: " وما علينا " يروى في مكانه " وما نبالي " من المبالاة بمعنى الاكتراث بالأمر والاهتمام له والعناية به، وأكثر ما تستعمل هذه الكلمة بعد النفي كما رأيت في بيت الشاهد، وقد تستعمل في الإثبات إذا جاءت معها أخرى منفية، وذلك كما في قول زهير بن أبي سلمى المزني: لقد باليت مظعن أم أوفى ولكن أم أوفى لا تبالي و" ديار " معناه أحد، ولا يستعمل إلا في النفي العام، تقول: ما في الدار من ديار، وما في الدار ديور، تريد ما فيها من أحد، قال الله تعالى: (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) يريد لا تذر منهم أحدا، بل استأصلهم وأفنهم جميعا.
المعنى: إذا كنت جارتنا فلا نكترث بعدم مجاورة أحد غيرك، يريد أنها هي وحدها التي يرغب في جوارها ويسر له.
الإعراب: " وما " نافية " نبالي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن " إذا " ظرف متضمن معنى الشرط " ما " زائدة " كنت " كان الناقصة واسمها " جارتنا " جارة: خبر كان، وجارة مضاف ونا: مضاف إليه، والجملة من كان واسمها وخبرها في محل جر بإضافة إذا إليها " أن " مصدرية " لا " نافية " يجاورنا " يجاور: فعل مضارع منصوب بأن، ونا: مفعول به ليجاور " إلاك " إلا: أداة استثناء، والكاف مستثنى مبني على الكسر في محل نصب، والمستثنى منه ديار الآتي " ديار " فاعل يجاور، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول به لنبالي، ومن رواه " وما علينا " تكون ما نافية أيضا، وعلينا: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، وأن المصدرية وما دخلت عليه في تأويل مصدر مرفوع يقع مبتدأ مؤخرا، ويجوز أن تكون ما استفهامية بمعنى النفي مبتدأ، وعلينا: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، والمصدر المؤول من أن وما دخلت عليه منصوب على نزع الخافض، وكأنه قد قال: أي شئ كائن علينا في عدم مجاورة أحد لنا إذا كنت جارتنا، ويجوز أن تكون ما نافية، وعلينا: متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف، والمصدر منصوب على نزع الخافض أيضا والتقدير على هذا: وما علينا ضرر في عدم مجاورة أحد لنا إذا كنت أنت جارتنا.
الشاهد فيه: قوله " إلاك " حيث وقع الضمير المتصل بعد إلا شذوذا.
وقال المبرد: ليست الرواية كما أنشدها النحاة " إلاك " وإنما صحة الرواية: ألا يجاورنا سواك ديار وقال صاحب اللب: رواية البصريين: ألا يجاورنا حاشاك ديار فلا شاهد فيه على هاتين الروايتين، فتفطن لذلك.
" وكل " مبتدأ أول، وكل مضاف و" مضمر " مضاف إليه " له " جار ومجرور متعلق بيجب الآتي " البنا " مبتدأ ثان " يجب " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى البنا، والجملة من الفعل وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول " ولفظ " مبتدأ ولفظ مضاف و" ما " اسم موصول مضاف إليه مبني على السكون في محل جر " جر " فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة " كلفظ " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، ولفظ مضاف و" ما " اسم موصول مضاف إليه " نصب " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما المجرورة محلا بالإضافة، والجملة من الفعل ونائب فاعله لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.
قد عرفت - فيما مضى أول باب المعرب والمبني - أن الضمائر مبنية لشبهها بالحروف شبها وضعيا، بسبب كون أكثرها قد وضع على حرف واحد أو حرفين، وحمل ما وضع على أكثر من ذلك عليه، حملا للأقل على الأكثر، وقد ذكر الشارح في هذا الموضع وجها ثانيا من وجوه شبه الضمائر بالحروف، وهو ما سماه بالشبه الجمودي، وهو: كون الضمائر بحيث لا تتصرف تصرف الأسماء، فلا تثنى ولا تصغر، وأما نحو " هما وهم وهن وأنتما وأنتم وأنتن "، فهذه صيغ وضعت من أول الأمر على هذا الوجه، وليست علامة المثنى والجمع طارئة عليها.
ونقول: قد أشبهت الضمائر الحروف في وجه ثالث، وهي أنها مفتقرة في دلالتها على معناها البتة إلى شئ، وهو المرجع في ضمير الغائب، وقرينة التكلم أو الخطاب في ضمير الحاضر، وأشبهته في وجه رابع، وهو أنها استغنت بسبب اختلاف صيغها عن أن تعرب فأنت ترى انهم قد وضعوا للرفع صيغة لا تستعمل في غيره، وللنصب صيغة أخرى ولم يجيزوا إلا أن تستعمل فيه، فكان مجرد الصيغة كافيا لبيان موقع الضمير، فلم يحتج للإعراب ليبين موقعه، فأشبه الحروف في عدم الحاجة إلى الإعراب، وإن كان سبب عدم الحاجة مختلفا فيهما (وانظر ص 28، 32) .
" للرفع " جار ومجرور متعلق بصلح الآتي " والنصب وجر " معطوفان على الرفع و" نا " مبتدأ، وقد قصد لفظه " صلح " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى نا، والجملة من صلح وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " كأعرف " الكاف حرف جر، والمجرور محذوف، والتقدير: كقولك، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، واعرف: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بنا " جار ومجرور متعلق بأعرف " فإننا " الفاء تعليلية، وإن حرف توكيد ونصب، ونا: اسمها " نلنا " فعل وفاعل، والجملة من نال وفاعله في محل رفع خبر إن " المنح " مفعول به لنال، منصوب بالفتحة الظاهرة، وسكن لأجل الوقف.
" ألف " مبتدأ - وهو نكرة، وسوغ الابتداء به عطف المعرفة عليها " والواو، والنون " معطوفان على ألف " ما " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ " غاب " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما، والجملة لا محل لها صلة ما " وغيره " الواو حرف عطف، غير: معطوف على ما، وغير مضاف والضمير مضاف إليه " كقاما " الكاف جارة لقول محذوف، والجار والمجرور يتعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي وذلك كائن كقولك، وقاما: فعل ماض وفاعل " واعلما " الواو عاطفة، واعلما: فعل أمر، وألف الاثنين فاعله، والجملة معطوفة بالواو على جملة قاما.
" من ضمير، جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، وضمير مضاف، و" الرفع " مضاف إليه " ما " اسم موصول مبتدأ مؤخر، مبني على السكون في محل رفع " يستتر " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة لا محل لها صلة ما " كافعل " الكاف جارة لقول محذوف، والجار والمجرور يتعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كقولك، وافعل: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " أوافق " فعل مضارع مجزوم في جواب الامر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " نغتبط " بدل من أوافق " إذ " ظرف وضع للزمن الماضي، ويستعمل مجازا في المستقبل، وهو متعلق بقوله " نغتبط " مبني على السكون في محل نصب " تشكر " فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والجملة في محل جر بإضافة إذ إليها.
المنقسم هو الضمير المتصل لا مطلق الضمير، والمراد بالضمير البارز ماله صورة في اللفظ حقيقة نحو التاء والهاء في أكرمته، والياء في ابني، أو حكما كالضمير المتصل المحذوف من اللفظ جوازا في نحو قولك: جاء الذي ضربت، فإن التقدير جاء الذي ضربته، فحذفت التاء من اللفظ، وهي منوبة، لان الصلة لابد لها من عائد يربطها بالموصول.
ومن هنا تعلم أن البارز ينقسم إلى قسمين: الأول المذكور، والثاني المحذوف، والفرق بين المحذوف والمستتر من وجهين، الأول: أن المحذوف يمكن النطق به، وأما المستتر فلا يمكن النطق به أصلا، وإنما يستعيرون له الضمير المنفصل حين يقولون: مستتر جوازا تقديره هو، أو يقولون: مستتر وجوبا تقديره أنا أو أنت وذلك لقصد التقريب على المتعلمين، وليس هذا هو نفس الضمير المستتر على التحقيق، والوجه الثاني: أن الاستتار يختص بالفاعل الذي هو عمدة في الكلام، وأما الحذف فكثيرا ما يقع في الفضلات، كما في المفعول به في المثال السابق، وقد يقع في العمد في غير الفاعل كما في المبتدأ، وذلك كثير في العربية، ومنه قول سويد بن أبي كاهل اليشكري، في وصف امرئ يضمر بغضه: مستسر الشنء، لو يفقدني لبدا منه ذباب فنبع يريد هو مستسر البغض، فحذف الضمير، لأنه معروف ينساق إلى الذهن، ومثل ذلك أكثر من أن يحصى في كلام العرب.
وبقيت مواضع أخرى يجب فيها استتار الضمير، الأول: اسم فعل الأمر، نحو صه، ونزال، ذكره في التسهيل، والثاني: اسم فعل المضارع، نحو أف وأوه، ذكره أبو حيان، والثالث: فعل التعجب، نحو ما أحسن محمدا، والرابع: أفعل التفضيل، نحو محمد أفضل من علي، والخامس: أفعال الاستثناء، نحو قاموا ماخلا عليا، أو ما عدا بكرا، أو لا يكون محمدا.
زادها ابن هشام في التوضيح تبعا لابن مالك في باب الاستثناء من التسهيل، وهو حق، السادس: المصدر النائب عن فعل الأمر، نحو قول الله تعالى (فضرب الرقاب) وأما مرفوع الصفة الجارية على من هي له فجائز الاستتار قطعا.
وذلك نحو " زيد قائم " ألا ترى أنك تقول في تركيب آخر " زيد قائم أبوه " وقد ذكره الشارح في جائز الاستتار، وهو صحيح، وكذلك مرفوع نعم وبئس، نحو " نعم رجلا أبو بكر، وبئست امرأة هند "، وذلك لأنك تقول في تركيب آخر " نعم الرجل زيد، وبئست المرأة هند ".
" وذو " مبتدأ، وذو مضاف و" ارتفاع " مضاف إليه " وانفصال " معطوف على ارتفاع " أنا " خبر المبتدأ " هو، وأنت " معطوفان على أنا " والفروع " مبتدأ " لا " نافية " تشتبه " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى الفروع، والجملة من الفعل المضارع المنفي وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ، الذي هو الفروع.
" وذو " مبتدأ، وذو مضاف و" انتصاب " مضاف إليه " في انفصال " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر في جعل الآتي " جعلا " فعل ماض، مبني للمجهول، والألف للإطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذو " إياي " مفعول ثان لجعل، والجملة من جعل ومعموليه في محل رفع خبر المبتدأ " والتفريع " مبتدأ " ليس " فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر واسمها ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على التفريع " مشكلا " خبر ليس، والجملة من ليس واسمها وخبرها في محل رفع خبر المبتدأ.
اختلف في هذه اللواحق التي بعد " إيا " فقيل: هي حروف تبين الحال وتوضح المراد من " إيا " متكلما أو مخاطبا أو غائبا، مفردا أو مثنى أو مجموعا، ومثلها مثل الحروف التي في أنت وأنتما وأنتن، ومثل اللواحق في أسماء الإشارة نحو تلك وذلك وأولئك، وهذا مذهب سيبويه والفارسي والأخفش، قال أبو حيان: وهو الذي صححه أصحابنا وشيوخنا. وذهب الخليل والمازني، واختاره ابن مالك، إلى أن هذه اللواحق أسماء، وأنها ضمائر أضيفت إليها " إيا " زاعمين أن " إيا " أضيفت إلى غير هذه اللواحق في نحو " إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب " فيكون في ذلك دليل على أن اللواحق أسماء.
وذلك باطل لوجهين، الأول: أن هذا الذي استشهدوا به شاذ، ولم تعهد إضافة الضمائر.
والثاني أنه لو صح ما يقولون لكانت " إيا " ونحوها ملازمة للإضافة، وقد علمنا أن الإضافة من خصائص الأسماء المعربة، فكان يلزم أن تكون إيا ونحوها معربة، ألست ترى أنهم أعربوا " أي " الموصولة والشرطية والاستفهامية لما لازمها من الإضافة؟ وقال الفراء: إن " إيا " ليست ضميرا، وإنما هي حرف عماد جئ به توصلا للضمير، والضمير هو اللواحق، ليكون دعامة يعتمد عليها، لتمييز هذه اللواحق عن الضمائر المتصلة.
وزعم الزجاج أن الضمائر هي اللواحق موافقا في ذلك للفراء، ثم خالفه في " إيا " فادعى أنها اسم ظاهر مضاف إلى الكاف والياء والهاء.
وقال ابن درستويه: إن هذا اسم ليس ظاهرا ولا مضمرا، وإنما هو بين بين.
وقال الكوفيون: المجموع من " إيا " ولواحقها ضمير واحد.
" وفي اختيار " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من فاعل يجئ الآتي " لا " نافية " يجئ " فعل مضارع " المنفصل " فاعل يجئ " إذا " ظرف لما يستقبل من الزمان " تأتى " فعل ماض " أن " حرف مصدري ونصب " يجئ " فعل مضارع منصوب بأن " المتصل " فاعل يجئ، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل تأتى، والتقدير: تأتى مجيء المتصل، والجملة من تأتى وفاعله في محل جر بإضافة إذا إليها، وجواب إذا محذوف لدلالة ما قبله عليه، والتقدير: إذا تأتى مجيء المتصل فلا يجيء المنفصل.
اعلم أنه يتعين انفصال الضمير، ولا يمكن المجيء به متصلا، في عشرة مواضع:
الأول: أن يكون الضمير محصورا، كقوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) وكقول الفرزدق: أنا الذائد الحامي الذمار، وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي إذ التقدير: لا يدافع عن أحسابهم إلا أنا أو مثلي ومن هذا النوع قول عمرو بن معد يكرب الزبيدي: قد علمت سلمى وجاراتها ما قطر الفارس إلا أنا الثاني: أن يكون الضمير مرفوعا بمصدر مضاف إلى المنصوب به، نحو " عجبت من ضربك هو " وكقول الشاعر: بنصركم نحن كنتم فائزين، وقد أغرى العدى بكم استسلامكم فشلا الثالث: أن يكون عامل الضمير مضمرا، نحو قول السموأل: وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها فليس إلى حسن الثناء سبيل وكقول لبيد بن ربيعة: فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب لعلك تهديك القرون الأوائل الرابع: أن يكون عامل الضمير متأخرا عنه، كقوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) وهذا هو الموضع الذي أشار إليه الشارح.
الخامس: أن يكون عامل الضمير معنويا، وذلك إذا وقع الضمير مبتدأ، نحو " اللهم أنا عبد أثيم، وأنت مولى كريم " ومنه " أنا الذائد " في بيت الفرزدق السابق.
السادس: أن يكون الضمير معمولا لحرف نفي، كقوله تعالى: (وما أنتم بمعجزين) (ما هن أمهاتهم) (وما أنا بطارد المؤمنين) (إن أنا إلا نذير مبين) وكقول الشاعر: إن هو مستوليا على أحد إلا على أضعف المجانين السابع: أن يفصل بين الضمير وعامله بمعمول آخر، كقوله تعالى: (يخرجون الرسول وإياكم) وكقول الشاعر: مبرأ من عيوب الناس كلهم فالله يرعى أبا حفص وإيانا الثامن: أن يقع الضمير بعد واو المعية، كقول أبي ذؤيب الهذلي: فآليت لا أنفك أحذو قصيدة تكون وإياها بها مثلا بعدي التاسع: أن يقع بعد " أما " نحو " أما أنا فشاعر، وأما أنت فكاتب، وأما هو فنحوي ".
العاشر: أن يقع بعد اللام الفارقة، نحو قول الشاعر: إن وجدت الصديق حقا لاياك، فمرني فلن أزال مطيعا وسيأتي موضع ذكر تفصيله المصنف والشارح.
البيت من قصيدة للفرزدق، يفتخر فيها، ويمدح يزيد بن عبد الملك بن مروان، وقبله: يا خير حي وقت نعل له قدما وميت بعد رسل الله مقبور إني حلفت، ولم أحلف على فند، فناء بيت من الساعين معمور اللغة: " الباعث " الذي يبعث الأموات ويحييهم بعد موتهم " الوارث " هو الذي ترجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك " ضمنت " - بكسر الميم مخففة - بمعنى تضمنت، أي اشتملت أو بمعنى تكفلت يهم " الدهارير " الزمن الماضي، أو الشدائد، وهو جمع لا واحد له من لفظه. الإعراب: " يا لباعث " جار ومجرور متعلق بقوله " حلفت " في البيت الذي أنشدناه قبل هذا البيت، والأموات: يجوز فيه وجهان، أحدهما: جره بالكسرة الظاهرة على أنه مضاف إليه، والمضاف هو الباعث والوارث على مثال قوله: يا من رأى عارضا أسر له بين ذراعي وجبهة الأسد وقولهم " قطع الله يد ورجل من قالها " والوجه الثاني: نصب الأموات بالفتحة الظاهرة على أنه مفعول به (تنازعه) ؟ الوصفان فأعمل فيه الثاني وحذف ضميره من الأول لكونه فضلة " ضمنت " فعل ماض، والتاء للتأنيث " إياهم " مفعول به تقدم على الفاعل " الأرض " فاعل ضمن " في دهر " جار ومجرور متعلق بضمنت، ودهر مضاف و" الدهارير " مضاف إليه، مجرور بالكسرة الظاهرة.
الشاهد فيه: قوله " ضمنت إياهم " حيث عدل عن وصل الضمير إلى فصله، وذلك خاص بالشعر، ولا يجوز في سعة الكلام، ولو جاء به على ما يستحقه الكلام لقال " قد ضمنتهم الأرض ".
ومثل هذا البيت قول زياد بن منقذ العدوي التميمي من قصيدة له يقولها في تذكر أهله والحنين إلى وطنه، وكان قد نزل صنعاء فاستوبأها، وكان أهله بنجد في وادي أشى - بزنة المصغر (وانظر ١ / ٦٥ من كتابنا هداية السالك إلى أوضح المسالك) : وما أصاحب من قوم فأذكرهم إلا يزيدهم حبا إلي هم فقد جاء بالضمير منفصلا - وهو قوله " هم " في آخر البيت - وكان من حقه أن يجئ به متصلا بالعامل - وهو قوله " يزيد " - ولو جاء به على ما يقتضيه الاستعمال لقال " إلا يزيدونهم حبا إلى ".
ومثل ذلك قول طرفة بن العبد البكري:
أصرمت حبل الوصل، بل صرموا يا صاح، بل قطع الوصال هم وكان من حقه أن يقول: " بل قطعوا الوصال " لكنه اضطر ففصل.
" وصل " الواو للاستئناف، صل: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " أو " حرف عطف دال على التخيير " افصل " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، وجملة افصل معطوفة على جملة صل " هاء " مفعول تنازعه الفعلان، فأعمل فيه الثاني، وهاء مضاف و" سلنيه " قصد لفظه: مضاف إليه " وما " الواو حرف عطف، ما: اسم موصول معطوف على سلنيه " أشبهه " أشبه: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والهاء مفعول به، والجملة لا محل لها صلة ما " في كنته " جار ومجرور متعلق بانتمى " الخلف " مبتدأ " انتمى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخلف، والجملة من انتمى وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ، وانتمى معناه انتسب، والمراد أن بين العلماء خلافا في هذه المسألة وأن هذا الخلاف معروف، وكل قول فيه معروف النسبة إلى قائله.
" كذاك " الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، والكاف حرف خطاب " خلتنيه " قصد لفظه: مبتدأ مؤخر " واتصالا " الواو عاطفة، اتصالا: مفعول مقدم لاختار " أختار " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " غيري، غير: مبتدأ، وغير مضاف والياء التي للمتكلم مضاف إليه " اختار " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود لغيري، والجملة من اختار وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " الانفصالا " مفعول به لاختار، والألف للإطلاق.
قد ورد الأمران كثيرا في كلام العرب، فمن الانفصال قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي: لئن كان إياه لقد حال بعدنا عن العهد، والإنسان قد يتغير وقول الآخر:
ليس إياي وإياك، ولا نخشى رقيبا ومن الاتصال قول أبي الأسود الدؤلي يخاطب غلاما له كان يشرب النبيذ فيضطرب شأنه وتسوء حاله: فإن لا يكنها أو تكنه فإنه أخوها غذته أمه بلبانها وقول رسول الله صلى عليه وسلم لعمر بن الخطاب في شأن ابن الصياد: " إن يسكنه فلن تسلط عليه، وإلا يكنه فلا خير لك في قتله " ومنه الشاهد رقم 17 الآتي في ص 109.
قد ورد الأمران في فصيح الكلام أيضا، فمن الاتصال قوله تعالى: (إذ يريكهم الله في منامك قليلا، ولو أراكهم كثيرا) وقول الشاعر: بلغت صنع امرئ بر إخالكه إذ لم تزل لا كتساب الحمد معتذرا ومن الانفصال قول الشاعر: أخي حسبتك إياه، وقد ملئت أرجاء صدرك بالأضغان والأحن
هذا البيت قيل إنه لديسم بن طارق أحد شعراء الجاهلية، وقد جرى مجرى المثل، وصار يضرب لكل من يعتد بكلامه، ويتمسك بمقاله، ولا يلتفت إلى ما يقول غيره، وفي هذا جاء به الشارح، وهو يريد أن سيبويه هو الرجل الذي يعتد بقوله، ويعتبر نقله، لأنه هو الذي شافه العرب، وعنهم أخذ، ومن ألسنتهم استمد.
المفردات: " حذام " اسم امرأة، زعم بعض أرباب الحواشي أنها الزباء، وقال: وقيل غيرها، ونقول: الذي عليه الأدباء أنها زرقاء اليمامة، وهي امرأة من بنات لقمان بن عاد، وكانت ملكة اليمامة، واليمامة اسمها، فسميت البلد باسمها، زعموا أنها كانت تبصر من مسيرة ثلاثة أيام، وهي التي يشير إليها النابغة الذبياني في قوله: واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت إلى حمام سراع وارد الثمد قالت: ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد الإعراب: " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " قالت " قال: فعل ماض، والتاء للتأنيث " حذام " فاعل قال، مبني على الكسر في محل رفع " فصدقوها " الفاء واقعة في جواب إذا، وصدق: فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعل، وها: مفعول به " فإن " الفاء للعطف، وفيها معنى التعليل، وإن: حرف توكيد ونصب " القول " اسم إن منصوب بالفتحة الظاهرة " ما " اسم موصول خبر إن، مبني على السكون في محل رفع " قالت " قال: فعل ماض، والتاء للتأنيث " حذام " فاعل قالت، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، والعائد محذوف، أي ما قالته حذام.
التمثيل به: قد جاء الشارح بهذا البيت وهو يزعم أن مذهب سيبويه أرجح مما ذهب إليه الناظم، وكأنه أراد أن يعرف الحق بأن يكون منسوبا إلى عالم جليل كسيبويه، وهي فكرة لا يجوز للعلماء أن يتمسكوا بها، ثم إن الأرجح في المسألة ليس هو ما ذهب إليه سيبويه والجمهور، بل الأرجح ما ذهب إليه ابن مالك، والرماني، وابن الطراوة من أن الاتصال أرجح في خبر كان وفي المفعول الثاني من معمولي ظن وأخواتها، وذلك من قبل أن الاتصال في البابين أكثر ورودا عن العرب، وقد ورد الاتصال في خبر " كان " في الحديث الذي رويناه لك، وورد الاتصال في المفعول الثاني من باب ظن في القرآن الكريم فيما قد تلونا من الآيات، ولم يرد في القرآن الانفصال في أحد البابين أصلا، وبحسبك أن يكون الاتصال هو الطريق الذي استعمله القرآن الكريم باطراد.
" وقدم " الواو عاطفة، قدم: فعل أمر مبني على السكون لا محل له من الإعراب، وحرك بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " الأخص " مفعول به لقدم " في اتصال " جار ومجرور متعلق بقدم " وقدمن " الواو عاطفة، قدم: فعل أمر، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " ما " اسم موصول مفعول به لقدم المؤكد، مبني على السكون في محل نصب " شئت " فعل وفاعل، وجملتهما لا محل لها صلة ما الموصولة، والعائد محذوف، والتقدير: وقدمن الذي شئنه " في انفصال " جار ومجرور متعلق بقدمن.
إنما يقع اللبس فيما إذا كان كل من المفعولين يصلح أن يكون فاعلا كما ترى في مثال الشارح، ألست ترى أن المخاطب وزيدا يصلح كل منهما أن يكون آخذا ويصلح أن يكون مأخوذا، أما نحو " الدرهم أعطيته إياك " أو " الدرهم أعطيتك إياه " فلا لبس لن المخاطب آخذ تقدم أو تأخر، والدرهم مأخوذ تقدم أو تأخر.
" وفي اتحاد " الواو حرف عطف، والجار والمجرور متعلق بالزم الآتي، واتحاد مضاف و" الرتبة " مضاف إليه " الزم " فعل أمر مبني على السكون لا محل له من الإعراب، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " فصلا " مفعول به لا لزم " وقد " الواو عاطفة، قد: حرف دال على التقليل " يبيح " فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة " الغيب " فاعل يبيح " فيه " جار ومجرور متعلق بيبيح " وصلا " مفعول به ليبيح.
" وقبل " الواو حرف عطف، قبل ظرف زمان متعلق بالتزم الآتي، وقبل مضاف و" يا " مضاف إليه، ويا مضاف و" النفس " مضاف إليه " مع " ظرف متعلق بمحذوف حال من يا النفس، ومع مضاف و" الفعل " مضاف إليه " التزم " فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، وسكن لأجل الوقف " نون " نائب فاعل لالتزم مرفوع بالضمة، ونون مضاف و" قاية " مضاف إليه " وليسي " الواو عاطفة، ليسي: قصد لفظه مبتدأ " قد " حرف تحقيق " نظم " فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.
وسكنه لأجل الوقف، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ليسي، والجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل رفع خبر المبتدأ.
هذا البيت نسبه جماعة من العلماء ومنهم ابن منظور في العرب (ط ى س) - لرؤبة بن العجاج، وليس موجودا في ديوان رجزه، ولكنه موجود في زيادات الديوان.
اللغة: " كعديد " العديد كالعدد، يقال: هم عديد الثرى، أي عددهم مثل عدده، و" الطيس " - بفتح الطاء المهملة، وسكون الياء المثناة من تحت، وفي آخره سين مهملة - الرمل الكثير، وقال ابن منظور: " واختلفوا في تفسير الطيس، فقال بعضهم: كل من على ظهر الأرض من الأنام فهو من الطيس، وقال بعضهم: بل هو كل خلق كثير النسل نحو النمل والذباب والهوام، وقيل: يعني الكثير من الرمل " اه " ليسي " أراد غيري، استثنى نفسه من القوم الكرام الذين ذهبوا، هذا ويروى صدر الشاهد: عهدي بقومي كعديد الطيس وهي الرواية الصحيحة المعنى.
المعنى: يفخر بقومه، ويتحسر على ذهابهم، فيقول: عهدي بقومي الكرام الكثيرين كثرة تشبه كثرة الرمل حاصل، وقد ذهبوا إلا إياي، فإنني بقيت بعدهم خلفا عنهم. الإعراب: " عددت " فعل وفاعل " قومي " قوم: مفعول به، وقوم مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " كعديد " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف، والتقدير: عددتهم عدا مثل عديد، وعديد مضاف و" الطيس " مضاف إليه " إذ " ظرف دال على الزمان الماضي، متعلق بعددت " ذهب " فعل ماض " القوم " فاعله " الكرام " صفة له، والجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها " ليسي " ليس: فعل ماض ناقص دال على الاستثناء، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره هو يعود على البعض المفهوم من القوم، والياء خبره مبني على السكون في محل نصب.
الشاهد فيه: في هذا البيت شاهدان، وكلاهما في لفظ " ليسي " أما الأول فإنه أتى بخبره ضميرا متصلا ولا يجوز عند جمهرة النحاة أن يكون إلا منفصلا، فكان يجب عليه - على مذهبهم هذا - أن يقول: ذهب القوم الكرام ليس إياي.
والثاني - وهو - الذي جاء الشارح بالبيت من أجله هنا - حيث حذف نون الوقاية من ليس مع اتصالها بياء المتكلم، وذلك شاذ عند الجمهور الذين ذهبوا إلى أن " ليس " فعل
الخلاف بين البصريين والكوفيين في اقتران نون الوقاية بأفعل في التعجب مبني على اختلافهم في أنه هو اسم أو فعل، فقال الكوفيون: هو اسم، وعلى هذا لا تتصل به نون الوقاية، لأنها إنما تدخل على الأفعال لتقيها الكسر الذي ليس منها في شئ، وقال البصريون: هو فعل، وعلى هذا يجب اتصاله بنون الوقاية لتقيه الكسر.
" وليتني " الواو عاطفة، ليتني قصد لفظه: مبتدأ " فشا " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ليتني، والجملة من فشا وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " وليتي " قصد لفظه أيضا: مبتدأ " ندرا " فعل ماض، والألف للإطلاق، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ليتي، والجملة من ندر وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " ومع " الواو عاطفة، مع: ظرف متعلق باعكس الآتي، ومع مضاف و" لعل " قصد لفظه: مضاف إليه " اعكس " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، ومفعوله محذوف، والتقدير: واعكس الحكم مع لعل " وكن " الواو عاطفة، كن: فعل أمر ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " مخيرا " خبره.
" في الباقيات " جار ومجرور متعلق بمخير في البيت السابق " واضطرارا " الواو عاطفة، اضطرارا: مفعول لأجله " خففا " فعل ماض، والألف للإطلاق " مني " قصد لفظه: مفعول به لخفف " وعني " قصد لفظه أيضا: معطوف على مني " بعض " فاعل خفف، وبعض مضاف، و" من " اسم موصول: مضاف إليه، مبني على السكون في محل جر " قد " حرف تحقيق " سلفا " فعل ماض، والألف للإطلاق، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على من الموصولة، والجملة من سلف وفاعله لا محل لها من الإعراب صلة الموصول الذي هو من.
هذا البيت لزيد الخير الطائي، وهو الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم، وكان اسمه في الجاهلية قبل هذه التسمية زيد الخيل، لانه كان فارسا.
اللغة: " المنية " بضم فسكون اسم للشئ الذي تتمناه، وهي أيضا اسم للتمني، والمنية المشبهة بمنية جابر تقدم ذكرها في بيت قبل بيت الشاهد، وذلك في قوله: تمنى مزيد زيدا فلاقى أخا ثقة إذا اختلف العوالي كمنية جابر، إذ قال: ليتي أصادفه وأفقد جل مالي تلاقينا، فما كنا سواء ولكن خر عن حال لحال ولولا قوله: يا زيد قدني، لقد قامت نويرة بالمآلي شككت ثيابه لما التقينا بمطرد المهزة كالخلال " مزيد " بفتح الميم وسكون الزاي: رجل من بني أسد، وكان يتمنى لقاء زيد ويزعم أنه إلى لقيه نال منه، فلما تلاقيا طعنه زيد طعنة فولى هاربا " أخا ثقة " أي صاحب وثوق في نفسه واصطبار على منازلة الاقران في الحرب " العوالي " جمع عالية، وهي ما يلي موضع السنان من الرمح، واختلافها: ذهابها في جهة العدو ومجيئها عند الطعن " جابر " رجل من غطفان، كان يتمنى لقاء زيد، فلما تلاقيا قهره زيد وغلبه " وأتلف " يروى " وأفقد ".
الاعراب: " كمنية " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف، والتقدير: تمنى مزيد تمنيا مشابها لمنية جابر، ومنية مضاف و" جابر " مضاف إليه " إذ " ظرف للماضي من الزمان " قال " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى جابر، والجملة في محل جر بإضافة إذ إليها " ليتي " ليت: حرف تمن ونصب، والياء اسمه، مبني على السكون في محل نصب " أصادف " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والهاء مفعول به، والجملة في محل رفع خبر ليت " وأفقد " الواو حالية، وأفقد: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والجملة في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، وتقديره: وأنا أفقد، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب حال " جل " مفعول به لا فقد، وجل مضاف ومال من " مالي " مضاف إليه، ومال مضاف وياء المتكلم مضاف إليه. الشاهد فيه: قوله " ليتي " حيث حذف نون الوقاية من ليت الناصبة لياء المتكلم، وظاهر كلام المصنف والشارح أن هذا الحذف ليس بشاذ، وإنما هو نادر قليل، وهذا الكلام على هذا الوجه هو مذهب الفراء من النحاة، فإنه لا يلزم عنده أن تجئ بنون الوقاية مع ليت، بل يجوز لك في السعة أن تتركها، وإن كان الاتيان بها أولى، وعبارة سيبويه تفيد أن ترك النون ضرورة حيث قال: " وقد قالت الشعراء " ليتي " إذا اضطروا كأنهم شبهوه بالاسم حيث قالوا: " الضاربي " اه، وانظر شرح الشاهد (21) الآتي.
ومثل هذا الشاهد - في حذف نون الوقاية مع ليت - قول ورقة بن نوفل الاسدي: فيا ليتي إذا ما كان ذاكم ولجت وكنت أولهم ولوجا وقد جمع بين ذكر النون وتركها حارثة بن عبيد البكري أحد المعمرين في قوله: ألا يا ليتتي أنضيت عمري وهل يجدي علي اليوم ليتي
هذا البيت من الشواهد التي لا يعرف قائلها.
اللغة: " أعيراني " ويروى " أعيروني " وكلاهما أمر من العارية، وهي أن تعطى غيرك ما ينتفع به مع بقاء عينه ثم يرده إليك " القدوم " بفتح القاف وضم الدال المخففة الآلة التي ينجر بها الخشب " أخط بها " أي أنحت بها، وأصل الخط من قولهم: خط بأصبعه في الرمل " قبرا " المراد به الجفن، أي القراب، وهو الجراب الذي يغمد فيه السيف " لابيض ماجد " لسيف صقيل.
الإعراب: " فقلت " فعل وفاعل " أعيراني " أعيرا: فعل أمر مبني على حذف النون، والألف ضمير الاثنين فاعل، والنون للوقاية، والياء مفعول أول لاعيرا " القدوم " مفعول ثان لاعيرا " لعلني " لعل: حرف تعليل ونصب، والنون للوقاية، والياء اسمها " أخط " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، وجملة المضارع وفاعله في محل رفع خبر لعل " بها " جار ومجرور متعلق بأخط " قبرا " مفعول به لاخط " لابيض " اللام حرف جر، وأبيض مجرور بها، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف الوصفية ووزن الفعل، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لقبر " ماجد " صفة لابيض، مجرور بالكسرة الظاهرة.
الشاهد فيه: قوله " لعلني " حيث جاء بنون الوقاية مع لعل، وهو قليل.
ونظيره قول حاتم الطائي يخاطب امرأته، وكانت قد لامته على البذل والجود: أريني جوادا مات هزلا لعلني أرى ما ترين، أو بخيلا مخلدا والكثير في الاستعمال حذف النون مع " لعل " وهو الذي استعمله القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: l{{قرآن|س=40|آ=36|لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} وقوله سبحانه: l{{قرآن|س=23|آ=100|لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا}، ومنه قول الفرزدق: وإني لراج نظرة قبل التي لعلي وإن شطت نواها أزورها وقول الآخر: ولي نفس تنازعني إذا ما أقول لها: لعلي أو عساني (8 - شرح ابن عقيل - 1).
وهذا البيت أيضا من الشواهد المجهول قائلها، بل قال ابن الناظم: إنه من وضع النحويين، وقال ابن هشام عنه " وفي النفس من هذا البيت شئ " ووجه تشكك هذين العالمين المحققين في هذا البيت أنه قد اجتمع الحرفان " من " و" عن " وأتى بهما على لغة غير مشهورة من لغات العرب، وهذا يدل على قصد ذلك وتكلفه.
اللغة: " قيس " هو قيس عيلان أبو قبيلة من مضر، واسمه الناس - بهمزة وصل ونون - ابن مضر بن نزار، وهو أخو إلياس - بياء مثناة تحتية - وقيس هنا غير منصرف للعلمية والتأنيث المعنوي، لأنه بمعنى القبيلة، وبعضهم يقول: قيس ابن عيلان.
الإعراب: " أيها " أي: منادى حذف منه ياء النداء، مبني على الضم في محل نصب، وها للتنبيه " السائل " صفة لاي " عنهم " جار ومجرور متعلق بالسائل " وعني " معطوف على عنهم " لست " ليس: فعل ماض ناقص، والتاء اسمها " من قيس " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ليس " ولا " الواو عاطفة، ولا نافية " قيس " مبتدأ " مني " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وهذه الجملة معطوفة على جملة ليس واسمها وخبرها.
الشاهد فيه: قوله " عني " و" مني " حيث حذف نون الوقاية منهما شذوذا للضرورة.
" في لدنى " جار ومجرور متعلق بقل " لدنى " قصد لفظه: مبتدأ " قل " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على لدنى المخففة، والجملة من قل وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " وفي قدني " جار ومجرور متعلق بيفي الآتي " وقطني " معطوف على قدني " الحذف " مبتدأ " أيضا " مفعول مطلق لفعل محذوف " قد " حرف تقليل " يفي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الحذف، والجملة من يفي وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو " الحذف " والجملة معطوفة على جملة المبتدأ والخبر السابقة.
21 - هذا البيت لابي نخيلة حميد بن مالك الأرقط، أحد شعراء عصر بني أمية، من أرجوزة له يمدح بها الحجاج بن يوسف الثقفي، ويعرض بعبد الله بن الزبير.
هذا البيت لأبي نخيلة حميد بن مالك الأرقط، أحد شعراء عصر بني أمية، من أرجوزة له يمدح بها الحجاج بن يوسف الثقفي، ويعرض بعبد الله بن الزبير.
اللغة: أراد بالخبيبين عبد الله بن الزبير - وكنيته أبو خبيب - (ومصعبا أخاه، وغلبه لشهرته، ويروى " الخبيبين " - بصيغة الجمع - يريد أبا خبيب وشيعته، ومعنى " قدني " حسبي وكفاني " ليس الإمام إلخ " أراد بهذه الجملة التعريض بعبد الله بن الزبير، لأنه كان قد نصب نفسه خليفة بعد موت معاوية بن يزيد، وكان - مع ذلك - مبخلا لا تبض يده بعطاء.
الإعراب: " قدني " قد: اسم بمعنى حسب مبتدأ، مبني على السكون في محل رفع، والنون للوقاية، وقد مضاف والياء التي للمتكلم مضاف إليه مبني على السكون في محل جر " من نصر " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، ونصر مضاف و" الخبيبين " مضاف إليه " قدى " يجوز أن يكون قد هنا اسم فعل، وقد جعله ابن هشام اسم فعل مضارع بمعنى يكفيني، وجعله غيره اسم فعل ماض بمعنى كفاني، وجعله آخرون اسم فعل أمر بمعنى ليكفني، وهذا رأي ضعيف جدا، وياء المتكلم على هذه الآراء مفعول به، ويجوز أن يكون قد اسما بمعنى حسب مبتدأ، وياء المتكلم مضاف إليه، والخبر محذوف، وجملة المبتدأ وخبره مؤكدة لجملة المبتدأ وخبره السابقة " ليس " فعل ماض ناقص " الإمام " اسمها " بالشحيح " الباء حرف جر زائد، الشحيح: خبر ليس منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد " الملحد " صفة للشحيح.
الشاهد فيه: قوله " قدني " و" قدى " حيث أثبت النون في الأولى وحذفها من الثانية وقد اضطربت عبارات النحويين في ذلك، فقال قوم: إن الحذف غير شاذ، ولكنه قليل، وتبعهم المصنف والشارح، وقال سيبويه: " وقد يقولون في الشعر قطى وقدى فأما الكلام فلا بد فيه من النون، وقد اضطر الشاعر فقال قدى شبهه بحسبي لان المعنى واحد " اهـ.
وقال الأعلم: " وإثباتها (النون) في قد وقط هو المستعمل، لأنهما في البناء ومضارعة الحروف بمنزلة من وعن، فتلزمهما النون المكسورة قبل الياء، لئلا يغير آخرهما عن السكون " اه. وقال الجوهري: " وأما قولهم قدك بمعنى حسب فهو اسم، وتقول: قدى، وقدني أيضا بالنون على غير قياس، لان هذه النون إنما تزاد في الأفعال وقاية لها، مثل ضربني وشتمني " وقال ابن (بري) ؟ يرد على الجوهري " وهم الجوهري في قوله إن النون في قدني زيدت على غير قياس " وجعل النون مخصوصا بالفعل لا غير، وليس كذلك، وإنما تزاد وقاية لحركة أو سكون في فعل أو حرف، كقولك في من وعن إذا أضفتهما لنفسك: مني وعني، فزدت نون الوقاية لتبقى نون من وعن على سكونها، وكذلك في قد وقط، وتقول: قدني وقطني، فتزيد نون الوقاية لتبقى الدال والطاء على سكونها، وكذلك زادوها في ليت، فقالوا: ليتني، لتبقى حركة التاء على حالها، وكذلك قالوا في ضرب: ضربني، لتبقى الباء على فتحها، وكذلك قالوا في اضرب: اضربني، أدخلوا نون الوقاية لتبقى الباء على سكونها " اهـ.
ولابن هشام ههنا كلام كثير وتفريعات طويلة لم يسبقه إليها أحد من قدامى العلماء وهي في مغنى اللبيب، وقد عنينا بذكرها والرد عليها في حواشينا المستفيضة على شرح الاشموني فارجع إليها هناك إن شئت (وانظر الأبيات التي أنشدناها في شرح الشاهد رقم 18 ففيها شاهد لهذه المسألة، وهو رابع تلك الأبيات) .
هذا، ولم يتكلم المصنف ولا الشارح عن الاسم المعرب إذا أضيف لياء المتكلم.
واعلم أن الأصل في الاسم المعرب ألا تتصل به نون الوقاية، نحو ضاربي ومكرمي وقد ألحقت نون الوقاية باسم الفاعل المضاف إلى ياء المتكلم في قوله صلى الله عليه وسلم: " فهل أنتم صادقوني " وفي قول الشاعر: وليس الموافيني ليرفد خائبا فإن له أضعاف ما كان أملا وفي قول الآخر: ألا فتى من بني ذبيان يحملني وليس حاملني إلا ابن حمال وفي قول الآخر: وليس بمعييني وفي الناس ممتع صديق إذا أعيا علي صديق كما لحقت أفعل التفضيل في قوله صلى الله عليه وسلم " غير الدجال أخوفني عليكم " لمشابهة أفعل التفضيل لفعل التعجيب
====================
العلم
ملاحظات: العلم1
اسم يعين المسمى مطلقا
علمه كجعفر وخرنقا2
وقرن وعدن ولاحق
وشذقم وهيلة وواشق3
العلم هو: الاسم الذي يعين مسماه مطلقا أي بلا قيد التكلم أو الخطاب أو الغيبة فالاسم جنس يشمل النكرة والمعرفة ويعين مسماه فصل أخرج النكرة وبلا قيد أخرج بقية المعارف كالمضمر فإنه يعين مسماه بقيد التكلم كأنا أو الخطاب كأنت أو الغيبة كهو ثم مثل الشيخ بأعلام الأناسي وغيرهم تنبيها على أن مسميات الأعلام العقلاء وغيرهم من المألوفات فجعفر اسم رجل وخرنق اسم امرأة من شعراء العرب.4
وهي أخت طرفة بن العبد لأمه وقرن اسم قبيلة وعدن اسم مكان ولاحق اسم فرس وشذقم اسم جمل وهيلة اسم شاة وواشق اسم كلب.
واسما أتى وكنية ولقبا
وأخرن ذا إن سواه صحبا5
ينقسم العلم إلى ثلاثة أقسام: إلى اسم وكنية ولقب والمراد بالاسم هنا ما ليس بكنية ولا لقب كزيد وعمرو وبالكنية ما كان في أوله أب أو أم كأبي عبد الله وأم الخير وباللقب ما أشعر بمدح كزين العابدين أو ذم كأنف الناقة.
وأشار بقوله وأخرن ذا إلخ إلى أن اللقب إذا صحب الاسم وجب تأخيره كزيد أنف الناقة ولا يجوز تقديمه على الاسم فلا تقول أنف الناقة زيد إلا قليلا ومنه قوله:
بأن ذا الكلب عمرا خيرهم حسبا
ببطن شريان يعوي حوله الذيب6
وظاهر كلام المصنف أنه يجب تأخير اللقب إذا صحب سواه ويدخل تحت قوله سواه الاسم والكنية وهو إنما يجب تأخيره مع الاسم فأما مع الكنية فأنت بالخيار7 بين أن تقدم الكنية على اللقب فتقول أبو عبد الله زين العابدين وبين أن تقدم اللقب على الكنية فتقول زين العابدين أبو عبد الله ويوجد في بعض النسخ بدل قوله وأخرن ذا إن سواه صحبا: وذا اجعل آخرا إذا اسما صحبا وهو أحسن منه لسلامته مما ورد على هذا فإنه نص في أنه إنما يجب تأخير اللقب إذا صحب الاسم ومفهومه أنه لا يجب ذلك مع الكنية وهو كذلك كما تقدم ولو قال وأخرن ذا إن سواها صحبا لما ورد عليه شيء إذ يصير التقدير وأخر اللقب إذا صحب سوى الكنية وهو الاسم فكأنه قال وأخر اللقب إذا صحب الاسم.
وإن يكونا مفردين فأضف
حتما وإلا أتبع الذي ردف8
إذا اجتمع الاسم واللقب فإما أن يكونا مفردين أو مركبين أو الاسم مركبا واللقب مفردا أو الاسم مفردا واللقب مركبا.
فإن كانا مفردين وجب عند البصريين الإضافة9 نحو هذا سعيد كرز ورأيت سعيد كرز ومررت بسعيد كرز وأجاز الكوفيون الإتباع فتقول هذا سعيد كرز ورأيت سعيدا كرزا ومررت بسعيد كرز ووافقهم المصنف على ذلك في غير هذا الكتاب.
وإن لم يكونا مفردين بأن كانا مركبين نحو عبد الله أنف الناقة أو مركبا ومفردا نحو عبد الله كرز وسعيد أنف الناقة وجب الإتباع فتتبع الثاني الأول في إعرابه ويجوز القطع إلى الرفع أو النصب نحو مررت بزيد أنف الناقة وأنف الناقة فالرفع على إضمار مبتدأ والتقدير هو أنف الناقة والنصب على إضمار فعل والتقدير أعني أنف الناقة فيقطع مع المرفوع إلى النصب ومع المنصوب إلى الرفع ومع المجرور إلى النصب أو الرفع نحو هذا زيد أنف الناقة ورأيت زيدا أنف الناقة ومررت بزيد أنف الناقة وأنف الناقة.
ومنه منقول كفضل وأسد
وذو ارتجال كسعاد وأدد10
وجملة وما بمزج ركبا
ذا إن بغير ويه تم أعراب11
وشاع في الأعلام ذو الإضافة
كعبد شمس وأبي قحافه12
ينقسم العلم إلى: مرتجل وإلى منقول فالمرتجل هو: ما لم يسبق له استعمال قبل العلمية في غيرها كسعاد وأدد والمنقول ما سبق له استعمال في غير العلمية والنقل إما من صفة كحارث أو من مصدر كفضل أو من اسم جنس كأسد وهذه تكون معربة أو من جملة ك قام زيد وزيد قائم13 وحكمها أنها تحكى فتقول جاءني زيد قائم ورأيت زيد قائم ومررت بزيد قائم وهذه من الأعلام المركبة.
ومنها أيضا ما ركب تركيب مزج كبعلبك ومعدي كرب وسيبويه وذكر المصنف أن المركب تركيب مزج إن ختم بغير ويه أعرب ومفهومه أنه إن ختم بويه لا يعرب بل يبنى وهو كما ذكره فتقول جاءني بعلبك ورأيت بعلبك ومررت ببعلبك فتعربه إعراب ما لا ينصرف ويجوز فيه أيضا البناء على الفتح فتقول جاءني بعلبك ورأيت بعلبك ومررت ببعلبك ويجوز أيضا أن يعرب أيضا إعراب المتضايفين فتقول جاءني حضرموت ورأيت حضرموت ومررت بحضرموت.
وتقول فيما ختم بويه جاءني سيبويه ورأيت سيبويه ومررت بسيبويه فتبنيه على الكسر وأجاز بعضهم إعرابه إعراب ما لا ينصرف نحو جاءني سيبويه ورأيت سيبويه ومررت بسيبويه.
ومنها: ما ركب تركيب إضافة كعبد شمس وأبي قحافة وهو معرب فتقول جاءني عبد شمس وأبو قحافة ورأيت عبد شمس وأبا قحافة ومررت بعبد شمس وأبي قحافة.
ونبه بالمثالين على أن الجزء الأول يكون معربا بالحركات كعبد وبالحروف كأبي وأن الجزء الثاني يكون منصرفا كشمس وغير منصرف كقحافة.
ووضعوا لبعض الأجناس علم
كعلم الأشخاص لفظا وهو عم14
من ذاك أم عريط للعقرب
وهكذا ثعالة للثعلب15
ومثله برة للمبره
كذا فجار علم للفجرة16
العلم على قسمين: علم شخص وعلم جنس فعلم الشخص له حكمان: معنوي وهو أن يراد به واحد بعينه كزيد وأحمد ولفظي وهو صحة مجيء الحال متأخرة عنه نحو جاءني زيد ضاحكا ومنعه من الصرف مع سبب آخر غير العلمية نحو هذا أحمد ومنع دخول الألف واللام عليه فلا تقول جاء العمرو.17
وعلم الجنس كعلم الشخص في حكمه اللفظي فتقول هذا أسامه مقبلا فتمنعه من الصرف وتأتى بالحال بعده ولا تدخل عليه الألف واللام فلا تقول هذا الأسامة.18 وحكم علم الجنس في المعنى كحكم النكرة من جهة أنه لا يخص واحدا بعينه فكل أسد يصدق عليه أسامة وكل عقرب يصدق عليها أم عريط وكل ثعلب يصدق عليه ثعالة. وعلم الجنس: يكون للشخص كما تقدم ويكون للمعنى كما مثل بقوله برة للمبرة وفجار للفجرة.
هامش
هو في اللغة مشترك لفظي بين معان، منها الجبل، قال الله تعالى: ﴿وَلَهُ ٱلۡجَوَارِ ٱلۡمُنشَـَٔاتُ فِی ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَـٰمِ ٢٤﴾ [الرحمن:24] أي كالجبال، وقالت الخنساء ترثي أخاها صخرا: وإن صخرا لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار ومنها الراية التي تجعل شعارا للدولة أو الجند، ومنها العلامة، ولعل المعنى الاصطلاحي مأخوذ من هذا الأخير، وأصل الترجمة " هذا باب العلم " فحذف المبتدأ، ثم الخبر، وأقام المضاف إليه مقامه، وليس يخفى عليك إعرابه
" اسم " مبتدأ " يعين " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم " المسمى " مفعول به ليعين، والجملة من يعين وفاعله ومفعوله في محل رفع صفة لاسم " مطلقا " حال من الضمير المستتر في يعين " علمه " علم: خبر المبتدأ، وعلم مضاف والضمير مضاف إليه، ويجوز العكس، فيكون " اسم يعين المسمى " خبرا مقدما، و" علمه " مبتدأ مؤخرا " كجعفر " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، وتقدير الكلام: وذلك كائن كقولك جعفر إلخ.
"وخرنقا، وقرن، وعدن، ولاحق، وشذقم، وهيلة، وواشق " كلهن معطوفات على جعفر.
لعل الأولى - بل الأصوب - أن يقول " من شواعر العرب ".
" واسما " حال من الضمير المستتر في أتى " أتى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى العلم " وكنية، ولقبا " معطوفان على قوله اسما " وأخرن " الواو حرف عطف، أخر: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " ذا " مفعول به لآخر، وهو اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب " إن " حرف شرط " سواه " سوى: مفعول به مقدم لصحب، وسوى مضاف، وضمير الغائب العائد إلى اللقب مضاف إليه " صحبا " صحب: فعل ماض فعل الشرط، مبني على الفتح في محل جزم، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اللقب، وجواب الشرط محذوف، والتقدير: إن صحب اللقب سواه فأخره.
البيت لجنوب أخت عمرو ذي الكلب بن العجلان أحد بني كاهل، وهو من قصيدة لها ترثيه بها، وأولها: كل امرئ بمحال الدهر مكذوب وكل من غالب الايام مغلوب اللغة: " محال الدهر " بكسر الميم، بزنة كتاب - كيده أو مكره، وقيل: قوته وشدته " شريان " - بكسر أوله وسكون ثانيه - موضع بعينه، أو واد، أو هو شجر تعمل منه القسى " يعوى حوله الذيب " كناية عن موته، والباء من قولها " بأن " متعلقة بأبلغ في بيت قبل بيت الشاهد، وهو قوله: أبلغ هذيلا وأبلغ من يبلغهم عني حديثا، وبعض القول تكذيب الإعراب: " بأن " الباء حرف جر، وأن: حرف توكيد ونصب " ذا " بمعنى صاحب اسم أن، منصوب بالألف نيابة عن الفتحة لأنه من الأسماء الستة، وذا مضاف و" الكلب " مضاف إليه " عمرا " بدل من ذا " خيرهم " خير: صفة لعمرا، وخير مضاف والضمير مضاف إليه " حسبا " تمييز " ببطن " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر أن، وبطن مضاف و" شريان " مضاف إليه " يعوى " فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء للثقل " حوله " حول: ظرف متعلق بيعوى، وحول مضاف وضمير الغائب العائد إلى عمرو مضاف إليه " الذيب " فاعل يعوى، والجملة في محل نصب حال من عمرو، ويجوز أن يكون قولها " ببطن " جارا ومجرورا متعلقا بمحذوف حال من عمرو، وتكون جملة " يعوى إلخ " في محل رفع خبر أن، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالباء، والجار والمجرور متعلق بأبلغ في البيت الذي أنشدناه.
الشاهد فيه: قولها " ذا الكلب عمرا " حيث قدمت اللقب - وهو قولها " ذا الكلب " - على الاسم - وهو قولها " عمرا " - والقياس أن يكون الاسم مقدما على اللقب، ولو جاءت بالكلام على ما يقتضيه القياس لقالت " بأن عمرا ذا الكلب ".
وإنما وجب في القياس تقديم الاسم وتأخير اللقب لان الاسم يدل على الذات وحدها واللقب يدل عليها وعلى صفة مدح أو ذم كما هو معلوم، فلو جئت باللقب أولا لما كان لذكر الاسم بعده فائدة، بخلاف ذكر الاسم أولا، فإن الإتيان بعده باللقب يفيد هذه الزيادة.
ومثل هذا البيت في تقديم اللقب على الاسم قول أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم الأنصاري الخزرجي: أنا ابن مزيقيا عمرو، وجدي أبوه عامر ماء السماء والشاهد في قوله " مزيقيا عمرو " فإن " مزيقيا " لقب، و" عمرو " اسم صاحب اللقب، وقد قدم هذا اللقب على الاسم كما ترى، أما قوله " عامر ماء السماء " فقد جاء على الأضل.
هذا الذي ذكره الشارح هو ما ذكره كبار النحويين من جواز تقديم الكنية على اللقب أو تأخيرها عنه، والذي نريد أن ننبه عليه أن الشارح وغيره - كصاحب التوضيح ابن هشام الأنصاري - ذكروا أن قول ابن مالك وأخرن ذا إن سواه صحبا موهم لخلاف المراد، معتمدين في ذلك على مذهب جمهرة النحاة، لكن قال السيوطي في همعه: إن كان (أي اللقب) مع الكنية فالذي ذكروه جواز تقدمه عليها، وتقدمها عليه، ومقتضى تعليل ابن مالك امتناع تقديمه عليها، وهو المختار، وهذا يفيد أن الذي يوهمه كلام المصنف مقصود له، وأن مذهبه وجوب تأخير اللقب على ما عداه، سواء أكان اسما أم كنية، وكنت قد كتبت على هامش نسختي تصحيحا لبيت المصنف هذا نصه: " وأخرن هذا إن اسما صحبا " ثم ظهر لي أن لا يجوز تصحيح العبارة بشيء مما ذكرناه وذكره الشارح أو غيره، وعبارة ابن هشام في أوضح المسالك تفيد أن هذه العبارة التي اعترضها الشارح قد وردت على وجه صحيح في نظر الجمهور، قال ابن هشام: " وفي نسخة من الخلاصة ما يقتضي أن اللقب يجب تأخيره عن الكنية كأبي عبد الله أنف الناقة، وليس كذلك " اهـ.
ومعنى ذلك أنه قد وردت في النسخة المعتمدة عنده على الوجه الصحيح في نظر الجمهور، وقد ذكر الشارح هنا نص هذه النسخة.
" إن " حرف شرط " يكونا " فعل مضارع متصرف من كان الناقصة فعل الشرط مجزوم بإن، وعلامة جزمه حذف النون، والألف اسمها مبني على السكون في محل رفع " مفردين " خبر يكون منصوب بالياء المفتوح ما قبلها المكسور ما بعدها لأنه مثنى " فأضف " الفاء واقعة في جواب الشرط، وأضف: فعل أمر مبني على السكون، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والجملة في محل جزم جواب الشرط " حتما " مفعول مطلق " وإلا " الواو عاطفة، إلا: هو عبارة عن حرفين أحدهما إن، والآخر لا، فأدغمت النون في اللام، وإن حرف شرط، ولا: نافية، وفعل الشرط محذوف يدل عليه الكلام السابق: أي وإن لم يكونا مفردين " أتبع " فعل أمر مبني على السكون، وحرك بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والجملة في محل جزم جواب الشرط، وحذف الفاء منها للضرورة، لان جملة جواب الشرط إذا كانت طلبية وجب اقترانها بالفاء فكان عليه أن يقول: وإلا فأتبع " الذي " اسم موصول مفعول به لاتبع، مبني على السكون في محل نصب " ردف " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذي، وجملة ردف وفاعله المستتر فيه لا محل لها من الإعراب صلة الموصول وهو " الذي "
وجوب الإضافة عندهم مشروط بما إذا لم يمنع منها مانع: كأن يكون الاسم مقترنا بأل، فإنه لا تجوز فيه الإضافة، فتقول: جاءني الحارث كرز، بإتباع الثاني للأول بدلا أو عطف بيان، إذ لو أضفت الأول للثاني للزم على ذلك أن يكون المضاف مقرونا بأل والمضاف إليه خاليا منها ومن الإضافة إلى المقترن بها، وذلك لا يجوز عند جمهور النحاة.
قال أبو رجاء غفر الله تعالى له ولوالديه: بقي أن يقال: كيف أوجب البصريون هنا إضافة الاسم إلى اللقب إذا كانا مفردين ولا مانع، مع أن مذهبهم أنه لا يجوز أن يضاف اسم إلى ما اتحد به في المعنى كما سيأتي في باب الإضافة؟ ويمكن أن يجاب عن هذا بأن امتناع إضافة الاسم إلى ما اتحد به في المعنى إنما هو في الإضافة الحقيقية التي يعرف فيها المضاف بالمضاف إليه، وإضافة الاسم إلى اللقب من قبيل الإضافة اللفظية على ما اختاره الزمخشري
" ومنه " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " منقول " مبتدأ مؤخر " كفضل " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كائن كفضل " وأسد " معطوف على فضل " وذو " الواو عاطفة، وذو: معطوف على قوله منقول وذو مضاف و" ارتجال " مضاف إليه " كسعاد " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف: أي وذلك كائن كسعاد " وأدد " معطوف على سعاد.
" وجملة " مبتدأ خبره محذوف، وتقديره: ومنه جملة، وجملة المبتدأ والخبر معطوفة بالواو على جملة " ومنه منقول "، " وما " الواو عاطفة، وما اسم موصول معطوف على جملة، مبني على السكون في محل رفع " بمزج " جار ومجرور متعلق بقوله ركب الآتي " ركبا " ركب: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والألف للإطلاق، والجملة من الفعل ونائب الفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول " ذا " اسم إشارة مبتدأ، مبني على السكون في محل رفع " إن " حرف شرط " بغير " جار ومجرور متعلق بقوله تم الآتي، وغير مضاف و" ويه " قصد لفظه: مضاف إليه " تم " فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط " أعرب " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ذا، والجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل رفع خبر المبتدأ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه خبر المبتدأ، وتقدير الكلام: هذا أعرب، إن تم بغير لفظ ويه أعرب.
" وشاع " فعل ماض " في الأعلام " جار ومجرور متعلق بقوله شاع " ذو " فاعل شاع، وذو مضاف، و" الإضافة " مضاف إليه " كعبد " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كائن كعبد، وعبد مضاف و" شمس " مضاف إليه " وأبي " الواو عاطفة، وأبي: معطوف على عبد، مجرور بالياء نيابة عن الكسرة لأنه من الأسماء الخمسة، وأبي مضاف " وقحافه " مضاف إليه
الذي سمع عن العرب هو النقل من الجمل الفعلية، فقد سموا " تأبط شرا " وسموا " شاب قرناها " ومنه قول الشاعر وهو من شواهد سيبويه:
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها بني شاب قرناها تصر وتحلب وسموا " ذرى حبا " ويشكر، ويزيد، وتغلب، فأما الجملة الاسمية فلم يسموا بها، وإنما قاسها النحاة على الجملة الفعلية.
" ووضعوا " الواو عاطفة، ووضع: فعل ماض، والواو ضمير الجماعة فاعل مبني على السكون في محل رفع " لبعض " جار ومجرور متعلق بوضعوا، وبعض مضاف، و" الأجناس " مضاف إليه " علم " مفعول به لوضعوا، وأصله منصوب منون فوقف عليه بالسكون على لغة ربيعة " كعلم " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لعلم، وليس حالا منه لانه نكرة وصاحب الحال إنما يكون معرفة، وعلم مضاف، و" الأشخاص " مضاف إليه " لفظا " تمييز لمعنى الكاف، أي: مثله من جهة اللفظ " وهو " ضمير منفصل مبتدأ " عم " يجوز أن يكون فعلا ماضيا، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الضمير العائد إلى علم الجنس، وعلى هذا تكون الجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ، ويجوز أن يكون عم أفعل تفضيل وأصله أعم فسقطت همزته لكثرة الاستعمال كما سقطت من خير وشر، ويكون أفعل التفضيل على غير بابه، وهو خبر عن الضمير الواقع مبتدأ
" من " حرف جر " ذاك " ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بمن، والكاف حرف خطاب، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " أم " مبتدأ مؤخر، وأم مضاف و" عريط " مضاف إليه " للعقرب " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن في الخبر، والتقدير: أم عريط كائن من ذاك حال كونه علما للعقرب " وهكذا " الواو عاطفة، وها: حرف تنبيه، والكاف حرف جر، وذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالكاف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " ثعالة " مبتدأ مؤخر " للثعلب " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ضمير الخبر كما تقدم فيما قبله
" ومثله " الواو عاطفة، مثل: خبر مقدم، ومثل مضاف والهاء ضمير غائب عائد على المذكور قبله من الأمثلة مضاف إليه، مبني على الضم في محل جر " برة " مبتدأ مؤخر " للمبرة " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن في الخبر، لأنه في تقدير مشتق " كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " فجار " مبتدأ مؤخر، مبني على الكسر في محل رفع " علم " مبتدأ خبره محذوف " للفجرة " جار ومجرور متعلق بذلك الخبر المحذوف، والتقدير: فجار كذا علم موضوع للفجرة، ويجوز أن يكون قوله " للفجرة " جارا ومجرورا في محل الوصف لعلم، ويجوز غير هذين الإعرابين لعلم أيضا، فتأمل.
اعلم أن العلم بحسب الأصل لا تدخله الألف واللام، ولا يضاف، وذلك لأنه معرفة بالعلمية، وأل والإضافة وسيلتان للتعريف، ولا يجوز أن يجتمع على الاسم الواحد معرفان، إلا أنه قد يحصل الاشتراك الاتفاقي في الاسم العلم، فيكون لك صديقان اسم كل واحد منهما زيد أو عمرو، مثلا.
وفي هذه الحالة يشبه العلم اسم الجنس، فتصل به أل، وتضيفه، كما تفعل ذلك برجل وغلام، وقد جاء ذلك عنهم، فمن دخول " أل " على علم الشخص قول أبي النجم العجلي: باعد أم العمرو من أسيرها حراس أبواب على قصورها وقول الاخطل التغلبي: وقد كان منهم حاجب وابن أمه أبو جندل والزيد زيد المعارك وفي هذا البيت اقتران العلم بأل، وإضافته.
ومن مجيء العلم مضافا قولهم: ربيعة الفرس، وأنمار الشاة، ومضر الحمراء، وقال رجل من طيئ: علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم بأبيض ماضي الشفرتين يمان وقال ربيعة الرقي: لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد سليم والاغر ابن حاتم. وقال الراجز يخاطب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يا عمر الخير جزيت الجنه اكس بنياتي وأمهنه أقسمت بالله لتفعلنه والشواهد على ذلك كثيرة.
ذكر الشارح من أحكام العلم اللفظية ثلاثة أحكام يشترك فيها النوعان، وترك ثلاثة أخرى:
(الأول) أنه يبتدأ به بلا احتياج إلى مسوغ، تقول: أسامة مقبل: وثعالة هارب، كما تقول: علي حاضر، وخالد مسافر.
(الثاني) أنه لا يضاف بحسب أصل وضعه، فلا يجوز أن تقول: أسامتنا، كما يمتنع أن تقول: محمدنا، فإن حصل فيه الاشتراك الاتفاقي صحت إضافته على ما علمت في علم الشخص.
(الثالث) أنه لا ينعت بالنكرة، لأنه معرفة، ومن شرط النعت أن يكون مثل المنعوت في تعريفه أو تنكيره كما هو معلوم
==============================ملاحظات: اسم الإشارة
بذا لمفرد مذكر أشر
بذي وذه تي تا على الأنثى اقتصر1
يشار إلى المفرد المذكر بـ"ذا" ومذهب البصريين أن الألف من نفس الكلمة وذهب الكوفيون إلى أنها زائدة.2 ويشار إلى المؤنثة بذي وذه بسكون الهاء وتي وتا وذه بكسر الهاء باختلاس وبإشباع وته بسكون الهاء وبكسرها باختلاس وإشباع وذات.
وذان تان للمثنى المرتفع
وفى سواه ذين تين اذكر تطع3
يشار إلى المثنى المذكر في حالة الرفع بذان وفى حالة النصب والجر بذين وإلى المؤنثتين بتان في حالة الرفع وتين في النصب والجر.
وبأولى أشر لجمع مطلقا
والمد أولى ولدى البعد انطقا4
بالكاف حرفا دون لام أو معه
واللام إن قدمت ها ممتنعه5
يشار إلى الجمع مذكرا كان أو مؤنثا بأولي ولهذا قال المصنف أشر لجمع مطلقا ومقتضى هذا أنه يشار بها إلى العقلاء وغيرهم وهو كذلك ولكن الأكثر استعمالها في العاقل ومن ورودها في غير العاقل قوله:
ذم المنازل بعد منزلة اللوى
والعيش بعد أولئك الأيام6
وفيها لغتان: المد وهي لغة أهل الحجاز وهي الواردة في القرآن العزيز والقصر وهي لغة بني تميم وأشار بقوله ولدى البعد انطقا بالكاف إلى آخر البيت إلى أن المشار إليه له رتبتان القرب والبعد فجميع ما تقدم يشار به إلى القريب. فإذا أريد الإشارة إلى البعيد أتي بالكاف وحدها فتقول ذاك أو الكاف واللام نحو ذلك وهذه الكاف حرف خطاب فلا موضع لها من الإعراب وهذا لا خلاف فيه فإن تقدم حرف التنبيه الذي هو ها على اسم الإشارة أتيت بالكاف وحدها فتقول هذاك7 وعلى قوله:
رأيت بني غبراء لا ينكرونني
ولا أهل هذاك الطراف الممدد8
ولا يجوز الإتيان بالكاف واللام فلا تقول هذالك وظاهر كلام المصنف أنه ليس للمشار إليه إلا رتبتان قربى وبعدى كما قررناه والجمهور على أن له ثلاث مراتب قربى ووسطى وبعدى فيشار إلى من في القربى بما ليس فيه كاف ولا لام: كذا وذى وإلى من في الوسطى بما فيه الكاف وحدها نحو ذاك وإلى من في البعدي بما فيه كاف ولام نحو ذلك.
وبهنا أو ههنا أشر إلى
داني المكان وبه الكاف صلا9
في البعد أو بثم فه أو هنا
أو بهنالك انطقن أو هنا10
يشار إلى المكان القريب بهنا ويتقدمها هاء التنبيه فيقال ههنا ويشار إلى البعيد على رأى المصنف بهناك وهنالك وهنا بفتح الهاء وكسرها مع تشديد النون وبثم وهنت وعلى مذهب غيره "هناك" للمتوسط وما بعده للبعيد.
هامش
" بذا " جار ومجرور متعلق بقوله " أشر " الآتي " لمفرد " جار ومجرور متعلق بأشر كذلك " مذكر " نعت لمفرد " أشر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بذي " جار ومجرور متعلق بقوله اقتصر الآتي " وذه " الواو عاطفة، وذه: معطوف على ذي " تي تا " معطوفان على ذي بإسقاط حرف العطف " على الأنثى " جار ومجرور متعلق بقوله اقتصر الآتي أيضا " اقتصر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، وجملة " اقتصر " معطوفة على جملة " أشر " بإسقاط العاطف
ههنا ثلاثة أمور، أولها: أن الشارح لم يذكر - تبعا للمصنف - في هذا الكتاب من ألفاظ الإشارة إلى المفرد المذكر سوى " ذا " وقد ذكر العلماء أربعة ألفاظ أخرى: الأول " ذاء " بهمزة مكسورة بعد الألف، والثاني " ذائه " بهاء مكسورة بعد الهمزة المكسورة، والثالث " ذاؤه " بهمزة مضمومة وبعدها هاء مضمومة، الرابع " آلك " بهمزة ممدودة بعدها لام ثم كاف، وممن ذكر ذلك الناظم في كتابه التسهيل.
الامر الثاني: أن " ذا " إشارة للمفرد، وهذا المفرد إما أن يكون مفردا حقيقة أو حكما، فالمفرد الحقيقي نحو: هذا زيد، وهذا خالد، وهذا الكتاب، والمفرد حكما نحو: هذا الرهط، وهذا الفريق، ومنه قول الله تعالى: (عوان بين ذلك) أي بين المذكور من الفارض والبكر، وربما استعمل " ذا " في الاشارة إلى الجمع، كما في قول لبيد بن ربيعة العامري:
ولقد سئمت من الحياة وطولها وسؤال هذا الناس: كيف لبيد؟ الأمر الثالث: أن الأصل في " ذا " أن يشار به إلى المذكر حقيقة، كما في الأمثلة التي ذكرناها، وقد يشار به إلى المؤنث إذا نزل منزلة المذكر، كما في قول الله تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي﴾ [الأنعام:78] أشار إلى الشمس وهي مؤنثة بدليل قوله (بازغة) - بقوله: (هذا ربي) لأنه نزلها منزلة المذكر، ويقال: بل لأنه أخبر عنها بمذكر، ويقال: بل لأن لغة إبراهيم عليه السلام! - الذي ذكر هذا الكلام على لسانه لا تفرق بين المذكر والمؤنث.
" وذان " الواو عاطفة، ذان: مبتدأ " تان " معطوف عليه بإسقاط حرف العطف " للمثنى " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ " المرتفع " نعت للمثنى، وجملة المبتدأ وخبره معطوفة على ما قبلها " وفي سواه " الجار والمجرور متعلق بقوله " اذكر " الآتي، وسوى مضاف والهاء ضمير الغائب العائد إلى المثنى المرتفع مضاف إليه، وقد أعمل الحرف في " سوى " لأنها عنده متصرفة " ذين " مفعول به مقدم على عامله وهو قوله " اذكر " الآتي " تين " معطوف على ذين بإسقاط حرف العطف " اذكر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، وجملة " اذكر " معطوفة بالواو على ما قبلها.
" وبأولى " الواو عاطفة، والباء حرف جر، و" أولى " مجرور المحل بالباء، والجار والمجرور متعلق بقوله " أشر " الآتي " أشر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " لجمع " جار ومجرور متعلق بقوله " أشر " السابق " مطلقا " حال من قوله " جمع " " والمد " مبتدأ " أولى " خبره " ولدى " الواو عاطفة، لدى: ظرف بمعنى عند متعلق بقوله انطق الآتي، ولدى مضاف و" البعد " مضاف إليه " انطقا " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والألف للإطلاق، ويجوز أن تكون الألف مبدلة من نون التوكيد الخفيفة للوقف.
" بالكاف " جار ومجرور متعلق بقوله انطق في البيت السابق " حرفا " حال من " الكاف " " دون " ظرف متعلق بمحذوف حال ثان من " الكاف " ودون مضاف و" لام " مضاف إليه " أو " حرف عطف " معه " مع: ظرف معطوف على الظرف الواقع متعلقه حالا وهو دون، ومع مضاف والهاء ضمير الغائب مضاف إليه " واللام " مبتدأ " إن " حرف شرط " قدمت " قدم: فعل ماض مبني على الفتح المقدر في محل جزم على أنه فعل الشرط، وتاء المخاطب فاعله، و" ها " مفعول به لقدم " ممتنعه " خبر المبتدأ، وجواب الشرط محذوف دل عليه المبتدأ وخبره، والتقدير: واللام ممتنعة إن قدمت ها فاللام ممتنعة، وجملة الشرط وجوابه لا محل لها، لأنها (معترضة) ؟ بين المبتدأ وخبره.
البيت لجرير بن عطية بن الخطفي، من كلمة له يهجو فيها الفرزدق، وقبله - وهو المطلع - قوله: سرت الهموم فبتن غير نيام وأخو الهموم يروم كل مرام اللغة: " ذم " فعل أمر من الذم، ويجوز لك في الميم تحريكها بإحدى الحركات الثلاث: الكسر، لأنه الأصل في التخلص من التقاء الساكنين، فهو مبني على السكون وحرك بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين، والفتح للتخفيف، لأن الفتحة أخف الحركات، وهذه لغة بني أسد، والضم، لاتباع حركة الذال، وهذا الوجه أضعف الوجوه الثلاثة " المنازل " جمع منزل، أو منزلة، وهو محل النزول، وكونه ههنا جمع منزلة أولى، لأنه يقول فيما بعد " منزلة اللوى " - واللوى - بكسر اللام مقصورا موضع بعينه " العيش " أراد به الحياة.
المعنى: ذم كل موضع تنزل فيه بعد هذا الموضع الذي لقيت فيه أنواع المسرة، وذم أيام الحياة التي تقضيها بعد هذه الأيام التي قضيتها هناك في هناءة وغبطة.
الإعراب: " ذم " فعل أمر، مبني على السكون لا محل له من الإعراب، وهو مفتوح الآخر للخفة أو مكسوره على الأصل في التخلص من التقاء الساكنين أو مضمومه للاتباع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " المنازل " مفعول به لذم " بعد " ظرف متعلق بمحذوف حال من المنازل، وبعد مضاف و" منزلة " مضاف إليه، ومنزلة مضاف، و" اللوى " مضاف إليه " والعيش " الواو عاطفة، العيش: معطوف على المنازل " بعد " ظرف متعلق بمحذوف حال من العيش، وبعد مضاف وأولاء من " أولائك " مضاف إليه، والكاف حرف خطاب " الأيام " بدل من اسم الإشارة أو عطف بيان عليه.
الشاهد فيه: قوله " أولئك " حيث أشار به إلى غير العقلاء، وهي " الأيام " ومثله في ذلك قول الله تعالى: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) وقد ذكر ابن هشام عن ابن عطية أن الرواية الصحيحة في بيت الشاهد والعيش بعد أولئك الأقوام وهذه هي رواية النقائض حين جرير والفرزدق، وعلى ذلك لا يكون في البيت شاهد، لأن الأقوام عقلاء، والخطب في ذلك سهل، لأن الآية الكريمة التي تلوناها كافية أعظم الكفاية للاستشهاد بها على جواز الإشارة بأولاء إلى الجمع من غير العقلاء.
إذا كان اسم الإشارة لمثنى أو لجمع فإن ابن مالك يرى أنه لا يجوز أن يؤتى بالكاف مع حرف التنبيه حينئذ، وذهب أبو حيان إلى أن ذلك قليل لا ممتنع، ومما ورد منه قول العرجي، وقيل: قائله كامل الثقفي: ياما أميلح غزلانا شدن لنا من هؤليائكن الضال والسمر الشاهد فيه هنا: قوله " هؤليائكن " فإنه تصغير " أولاء " الذي هو اسم إشارة إلى الجمع، وقد اتصلت به " ها " التنبيه في أوله، وكاف الخطاب في آخره
هذا البيت لطرفة بن العبد البكري، من معلقته المشهورة التي مطلعها: لخولة أطلال ببرقة ثهمد تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد وقبل بيت الشاهد قوله: وما زال تشرابي الخمور ولذتي وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي إلى أن تحامتني العشيرة كلها وأفردت إفراد البعير المعبد اللغة: " خولة " اسم امرأة " أطلال " جمع طلل، بزنة جبل وأجبال، والطلل: ما شخص وظهر وارتفع من آثار الديار (كالاثافي) ؟ " برقة " بضم فسكون - هي كل رابية فيها رمل وطين أو حجارة، وفي بلاد العرب نيف ومائة برقة عدها صاحب القاموس، وألف فيها غير واحد من علماء اللغة، ومنها برقة ثهمد " تلوح " تظهر " الوشم " أن يغرز بالإبرة في الجلد ثم يذر عليه الكحل أو دخان الشحم فيبقى سواده ظاهرا " البعير المعبد " الأجرب " بني غبراء " الغبراء هي الأرض، سميت بهذا لغبرتها، وأراد ببني الغبراء الفقراء الذين لصقوا بالأرض لشدة فقرهم، أو الأضياف، أو اللصوص " الطراف " بكسر الطاء بزنة الكتاب - البيت من الجلد، وأهل الطراف الممدد: الاغنياء. المعنى: يريد أن جميع الناس - من غير تفرقة بين فقيرهم وغنيهم - يعرفونه، ولا ينكرون محله من الكرم والمواساة للفقراء وحسن العشرة وطيب الصحبة للأغنياء وكأنه يتألم من صنيع قومه معه. الإعراب: " رأيت " فعل وفاعل " بني " مفعول به، وبني مضاف، و" غبراء " مضاف إليه، ثم إذا كانت رأى بصربة فجملة " لا ينكرونني " من الفعل وفاعله ومفعوله في محل نصب حال من بني غبراء، وإذا كانت رأى علمية وهو أولى فالجملة في محل نصب مفعول ثان لرأى " ولا " الواو عاطفة، ولا: زائدة لتأكيد النفي " أهل " معطوف على الواو الذي هو ضمير الجماعة في قوله " لا ينكرونني " وأهل مضاف واسم الإشارة من " هذاك " مضاف إليه، والكاف حرف خطاب " الطراف " بدل من اسم الإشارة أو عطف بيان عليه " الممدد " نعت للطراف.
الشاهد فيه: قوله " هذاك " حيث جاء بها التنبيه مع الكاف وحدها، ولم يجئ باللام، ولم يقع لي - مع طويل البحث وكثرة الممارسة - نظير لهذا البيت مما اجتمعت فيه " ها " التنبيه مع كاف الخطاب بينهما اسم إشارة للمفرد، ولعل العلماء الذين قرروا هذه القواعد قد حفظوا من شواهد هذه المسألة ما لم يبلغنا، أو لعل قداماهم الذين شافهوا العرب قد سمعوا ممن يوثق بعربيته استعمال مثل ذلك في أحاديثهم في غير شذوذ ولا ضرورة تحوج إليه، فلهذا جعلوه قاعدة.
" وبهنا " الواو عاطفة، بهنا: جار ومجرور متعلق بقوله " أشر " الآتي، " أو " حرف عطف " ههنا " معطوف على هنا " أشر " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " إلى " حرف جر يتعلق بأشر " داني " مجرور بإلى، وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء للثقل، وداني مضاف و" المكان " مضاف إليه " وبه " الواو عاطفة، به: جار ومجرور متعلق بقوله صلا الآتي " الكاف " مفعول به مقدم على عامله وهو صلا الآتي " صلا " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والألف للإطلاق، ويجوز أن تكون هذه الألف مبدلة من نون التوكيد الخفيفة للوقف.
" في البعد " جار ومجرور متعلق بقوله " صلا " في البيت السابق " أو " حرف عطف معناه هنا التخيير " بثم " جار ومجرور متعلق بقوله " فه " الآتي " فه " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " أو " حرف عطف " هنا " معطوف على قوله " ثم " السابق " أو " حرف عطف " بهنالك " جار ومجرور متعلق بقوله انطق الآتي " انطقن " انطق: فعل أمر، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، ونون التوكيد الخفيفة حرف لا محل له من الإعراب " أو " حرف عطف " هنا " معطوف على قوله " هنالك "
============================
الموصول
ملاحظات: الموصول
موصول الأسماء الذي الأنثى التي
واليا إذا ما ثنيا لا تثبت1
بل ما تليه أوله العلامة
والنون إن تشدد فلا ملامة2
والنون من ذين وتين شددا
أيضا وتعويض بذاك قصدا3
ينقسم الموصول إلى اسمي وحرفي.
ولم يذكر المصنف الموصولات الحرفية وهي خمسة أحرف:
أحدها: أن المصدرية وتوصل بالفعل المنصرف ماضيا مثل عجبت من أن قام زيد ومضارعا نحو عجبت من أن يقوم زيد وأمرا نحو أشرت إليه بأن قم فإن وقع بعدها فعل غير متصرف نحو قوله تعالى: ﴿وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَـٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ٣٩﴾ [النجم:39] وقوله تعالى: ﴿وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ﴾ [الأعراف:185] فهي مخففة من الثقيلة.
ومنها: أن وتوصل باسمها وخبرها نحو عجبت من أن زيدا قائم ومنه قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا﴾ [العنكبوت:51] وأن المخففة كالمثقلة وتوصل باسمها وخبرها لكن اسمها يكون محذوفا واسم المثقلة مذكورا.
ومنها: "كي" وتوصل بفعل مضارع فقط مثل: جئت لكي تكرم زيدا.
ومنها: "ما" وتكون مصدرية ظرفية نحو لا أصحبك ما دمت منطلقا أي مدة دوامك منطلقا وغير ظرفية نحو عجبت مما ضربت زيدا وتوصل بالماضي كما مثل وبالمضارع نحو لا أصحبك ما يقوم زيد وعجبت مما تضرب زيدا ومنه4 بما نسوا يوم الحساب وبالجملة الاسمية نحو عجبت مما زيد قائم ولا أصحبك ما زيد قائم وهو قليل5 وأكثر ما توصل الظرفية المصدرية بالماضي أو بالمضارع المنفي بلم نحو لا أصحبك ما لم تضرب زيدا ويقل وصلها أعني المصدرية بالفعل المضارع الذي ليس منفيا بلم نحو لا أصحبك ما يقوم زيد ومنه قوله:
أطوف ما أطوف ثم آوي
إلى بيت قعيدته لكاع6
ومنها: لو وتوصل بالماضي نحو وددت لو قام زيد والمضارع نحو وددت لو يقوم زيد.
فقول المصنف موصول الأسماء احتراز من الموصول الحرفي - وهو "أن وأن وكي وما ولو" - وعلامته صحة وقوع المصدر موقعه نحو وددت لو تقوم أي قيامك وعجبت مما تصنع وجئت لكي أقرأ ويعجبني أنك قائم وأريد أن تقوم وقد سبق ذكره.
وأما الموصول الاسمي ف الذي للمفرد المذكر7 والتي للمفرد المؤنثة فإن ثنيت أسقطت الياء وأتيت مكانها بالألف في حالة الرفع نحو اللذان واللتان والياء في حالتي الجر والنصب فتقول اللذين واللتين وإن شئت شددت النون عوضا عن الياء المحذوفة فقلت اللذان واللتان وقد قرئ واللذان يأتيانها منكم ويجوز التشديد أيضا مع الياء وهو مذهب الكوفيين فتقول اللذين واللتين وقد قرئ {ربنا أرنا اللذين} بتشديد النون وهذا التشديد يجوز أيضا في تثنية ذا وتا اسمي الإشارة فتقول ذان وتان وكذلك مع الياء فتقول ذين وتين وهو مذهب الكوفيين والمقصود بالتشديد أن يكون عوضا عن الألف المحذوفة كما تقدم في الذي والتي.
جمع الذي الألى الذين مطلقا
وبعضهم بالواو رفعا نطقا8
باللات واللاء التي قد جمعا
واللاء كالذين نزرا وقعا9
يقال في جمع المذكر الألى مطلقا عاقلا كان أو غيره نحو جاءني الألى فعلوا وقد يستعمل في جمع المؤنث وقد اجتمع الأمران في قوله:
وتبلى الألى يستلئمون على الألى
تراهن يوم الروع كالحدإ القبل10
فقال يستلئمون ثم قال تراهن.
ويقال للمذكر العاقل في الجمع الذين مطلقا أي رفعا ونصبا وجرا فتقول جاءني الذين أكرموا زيدا ورأيت الذين أكرموه ومررت بالذين أكرموه. وبعض العرب يقول الذون في الرفع والذين في النصب والجر وهم بنو هذيل ومنه قوله:
نحن الذون صبحوا الصباحا
يوم النخيل غارة ملحاحا11
ويقال في جمع المؤنث اللات واللاء بحذف الياء فتقول جاءني اللات فعلن واللاء فعلن ويجوز إثبات الياء فتقول اللاتي واللائي وقد ورد اللاء بمعنى الذين قال الشاعر:
فما آباؤنا بأمن منه
علينا اللاء قد مهدوا الحجورا12
كما قد تجيء الأولى بمعنى اللاء كقوله:
فأما الأولى يسكن غور تهامه
فكل فتاة تترك الحجل أقصما
ومن وما وأل تساوي ما ذكر
وهكذا ذو عند طييء شهر13
وكالتي أيضا لديهم ذات
وموضع اللاتي أتى ذوات14
أشار بقوله تساوي ما ذكر إلى أن من وما والألف واللام تكون بلفظ واحد: للمذكر والمؤنث المفرد والمثنى والمجموع فتقول جاءني من قام ومن قامت ومن قاما ومن قامتا ومن قاموا ومن قمن وأعجبني ما ركب وما ركبت وما ركبا وما ركبتا وما ركبوا وما ركبن وجاءني القائم والقائمة والقائمان والقائمتان والقائمون والقائمات.
وأكثر ما تستعمل ما في غير العاقل وقد تستعمل في العاقل15 ومنه قوله: تعالى: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ﴾ [النساء:3] وقولهم سبحان ما سخركن لنا وسبحان ما يسبح الرعد بحمده.
و"من" بالعكس فأكثر ما تستعمل في العاقل وقد تستعمل في غيره،16 كقوله تعالى: ﴿وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [النور:45] ومنه قول الشاعر:
بكيت على سرب القطا إذ مررن بي
فقلت ومثلي بالبكاء جدير
أسرب القطا هل من يعير جناحه
لعلي إلى من قد هويت أطير؟17
وأما الألف واللام فتكون للعاقل ولغيره نحو جاءني القائم والمركوب واختلف فيها فذهب قوم إلى أنها اسم موصول وهو الصحيح وقيل إنها حرف موصول وقيل إنها حرف تعريف وليست من الموصولية في شيء وأما من وما غير المصدرية فاسمان اتفاقا وأما ما المصدرية فالصحيح أنها حرف وذهب الأخفش إلى أنها اسم ولغة طييء استعمال ذو موصولة وتكون للعاقل ولغيره وأشهر لغاتهم فيها أنها تكون بلفظ واحد للمذكر والمؤنث مفردا ومثنى ومجموعا18 فتقول جاءني ذو قام وذو قامت وذو قاما وذو قامتا وذو قاموا وذو قمن ومنهم من يقول في المفرد المؤنث جاءني ذات قامت وفى جمع المؤنث جاءني ذوات قمن وهو المشار إليه بقوله: وكالتي أيضا البيت ومنهم من يثنيها ويجمعها فيقول ذوا وذوو في الرفع وذوى وذوي في النصب والجر وذواتا في الرفع وذواتى في الجر والنصب وذوات في الجمع وهي مبنية على الضم وحكى الشيخ بهاء الدين ابن النحاس أن إعرابها كإعراب جمع المؤنث السالم.
والأشهر في ذو هذه أعني الموصولة أن تكون مبنية ومنهم من يعربها بالواو رفعا وبالألف نصبا وبالياء جرا فيقول جاءني ذو قام ورأيت ذا قام ومررت بذي قام فتكون مثل ذي بمعنى صاحب وقد روى قوله:
فإما كرام موسرون لقيتهم
فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا19
بالياء على الإعراب وبالواو على البناء.
وأما ذات فالفصيح فيها أن تكون مبنية على الضم رفعا ونصبا وجرا مثل ذوات ومنهم من يعربها إعراب مسلمات فيرفعها بالضمة وينصبها ويجرها بالكسرة.20
ومثل ماذا بعد ما استفهام
أو من إذا لم تلغ في الكلام21
يعني أن ذا اختصت من بين سائر أسماء الإشارة بأنها تستعمل موصولة وتكون مثل ما في أنها تستعمل بلفظ واحد للمذكر والمؤنث مفردا كان أو مثنى أو مجموعا فتقول من ذا عندك وماذا عندك سواء كان ما عنده مفردا مذكرا أو غيره.
وشرط استعمالها موصولة أن تكون مسبوقة ب ما أو من الاستفهاميتين نحو من ذا جاءك وماذا فعلت فمن اسم استفهام وهو مبتدأ وذا موصولة بمعنى الذي وهو خبر من وجاءك صلة الموصول والتقدير من الذي جاءك وكذلك ما مبتدأ وذا موصول بمعنى الذي وهو خبر ما وفعلت صلته والعائد محذوف وتقديره ماذا فعلته أي ما الذي فعلته.
واحترز بقوله إذا لم تلغ في الكلام من أن تجعل ما مع ذا أو من مع ذا كلمة واحدة للاستفهام نحو ماذا عندك أي شيء عندك؟ وكذلك من ذا عندك؟ فماذا مبتدأ وعندك خبره وكذلك من ذا مبتدأ وعندك خبره فذا في هذين الموضعين ملغاة لأنها جزء كلمة لأن المجموع استفهام.
هامش
" موصول " مبتدأ أول، وموصول مضاف و" الأسماء " مضاف إليه " الذي " مبتدأ ثان، وخبر المبتدأ الثاني محذوف تقديره: منه، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول " الأنثى " مبتدأ " التي " خبره، والجملة معطوفة على الجملة الصغرى السابقة - وهي جملة المبتدأ الثاني وخبره - بحرف عطف مقدر، والرابط للجملة المعطوفة بالمبتدأ الأول مقدر وكان أصل الكلام: موصول الأسماء أنثاه التي، ويجوز أن يكون قوله " الأنثى " مبتدأ وخبره محذوف، والتقدير: كائنة منه، فيكون على هذا قوله " التي " بدلا من الأنثى " واليا " مفعول مقدم لقوله " لا تثبت " الآتي " إذا " ظرف ضمن معنى الشرط " ما " زائدة " ثنيا " ثنى: فعل ماض مبني للمجهول وألف الاثنين نائب فاعل، والجملة في محل جر بإضافة " إذا " إليها، وهي جملة الشرط " لا " ناهية " تثبت " فعل مضارع مجزوم بلا، وعلامة جزمه السكون، وحرك بالكسر لأجل الروي والوزن، وجواب الشرط محذوف دل عليه الكلام، والتقدير: ولا تثبت الياء، إذا ثنيتهما - أي الذي والتي - فلا تثبتها.
===================
" بل " حرف عطف معناه الانتقال " ما " اسم موصول مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور بعده، والتقدير: بل أول - إلخ، فهو مبني على السكون في محل نصب " تليه " تلي: فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقدير هي يعود إلى الياء، والهاء ضمير الغائب العائد إلى ما مفعول به مبني على الكسر في محل نصب، والجملة من الفعل وفاعله ومفعوله لا محل لها من الإعراب صلة الموصول " أوله " أول: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت والضمير الذي للغائب مفعول أول " العلامة " مفعول ثان لأول " والنون " مبتدأ " إن " شرطية " تشدد " فعل مضارع مبني للمجهول فعل الشرط، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على المبتدأ الذي هو النون " فلا " الفاء لربط الشرط بالجواب، ولا: نافية للجنس " ملامه " اسم لا مبني على الفتح في محل نصب، وسكونه للوقف، وخبر " لا " محذوف، وتقديره: فلا ملامة عليك، مثلا، والجملة من لا واسمها وخبرها في محل جزم جواب الشرط، وجملة الشرط والجواب في محل رفع خبر المبتدأ.
" والنون " مبتدأ " من ذين " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال صاحبه ضمير مستتر في " شددا " الآتي " وتين " معطوف على " ذين " " شددا " شدد: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى النون، والألف للإطلاق، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " أيضا " مفعول مطلق حذف فعله العامل فيه " وتعويض " مبتدأ " بذاك " جار ومجرور متعلق بقوله قصد الآتي " قصدا " قصد: فعل ماض مبني للمجهول، والألف للإطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى تعويض، والجملة من قصد ونائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو قوله تعويض.
أي من وصلها بالفعل، بقطع النظر عن كونه ماضيا أو مضارعا.
اختلف النحويون فيما إذا وقع بعد " ما " هذه جملة اسمية مصدرة بحرف مصدري نحو قولهم: لا أفعل ذلك ما أن في السماء نجما، ولا أكلمه ما أن حراء مكانه فقال جمهور البصريين: أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مرفوع على أنه فاعل لفعل محذوف، والتقدير على هذا: لا أكلمه ما ثبت كون نجم في السماء، وما ثبت كون حراء مكانه، فهو حينئذ من باب وصل " ما " المصدرية بالجملة الفعلية الماضوية، ووجه ذلك عندهم أن الأكثر وصلها بالأفعال، والحمل على الأكثر أولى، وذهب الكوفيون إلى أن " أن " وما دخلت عليه في تأويل مصدر مرفوع أيضا، إلا أن هذا المصدر المرفوع مبتدأ خبره محذوف، والتقدير على هذا الوجه: لا أفعل كذا ما كون حراء في مكانه ثابت، وما كون نجم في السماء موجود، فهو من باب وصل " ما " بالجملة الاسمية، لأن ذلك أقل تقديرا
اشتهر أن هذا البيت للحطيئة - واسمه جرول - بهجو امرأته، وهو بيت مفرد ليس له سابق أو لاحق، وقد نسبه ابن السكيت في كتاب الألفاظ (ص 73 ط بيروت) - وتبعه الخطيب التبريزي في تهذيبه - إلى أبي غريب النصري.
اللغة: " أطوف " أي أكثر التجوال والتطواف والدوران، ويروى " أطود " بالدال المهملة مكان الفاء والمعنى واحد " آوى " مضارع أوى - من باب ضرب - إلى منزله، إذا رجع إليه وأقام به " قعيدته " قعيدة البيت: هي المرأة.
وقيل لها ذلك لأنها تطيل القعود فيه " لكاع " يريد أنها متناهية في الخبث.
المعنى: أنا أكثر دوراني وارتيادي الأماكن عامة النهار في طلب الرزق وتحصيل القوت، ثم أعود إلى بيتي لاقيم فيه، فلا تقع عيني فيه إلا على امرأة شديدة الخبث متناهية في الدناءة واللؤم.
الإعراب: " أطوف " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، و" ما " مصدرية " أطوف " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا و" ما " مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول مطلق عامله قوله " أطوف " الأول " ثم " حرف عطف " آوى " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " إلى بيت " جار ومجرور متعلق بقوله " آوى " " قعيدته " قعيدة: مبتدأ، وقعيدة مضاف والضمير مضاف إليه " لكاع " خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ وخبره في محل جر نعت لقوله " بيت "، وهذا هو الظاهر، وأحسن من ذلك أن يكون خبر المبتدأ محذوفا، ويكون قوله " لكاع " منادى بحرف نداء محذوف، وجملة النداء في محل نصب مفعول به للخبر، وتقدير الكلام على ذلك الوجه: قعيدته مقول لها: يالكاع.
الشاهد فيه: في هذا البيت شاهدان للنحاة، أولهما في قوله " ما أطوف " حيث أدخل " ما " المصدرية الظرفية على فعل مضارع غير منفي بلم، وهو الذي عناه الشارح من إتيانه بهذا البيت ههنا، والشاهد الثاني يذكر في أواخر باب النداء في ذكر أسماء ملازمة النداء، وهو في قوله " لكاع " حيث يدل ظاهره على أنه استعمله خبرا للمبتدأ فجاء به في غير النداء ضرورة، والشائع الكثير في كلام العرب أن ما كان على زنة فعال - بفتح الفاء والعين - مما كان سبا للإناث لا يستعمل إلا منادى، فلا يؤثر فيه عامل غير حرف النداء، تقول: يالكاع ويادفار، ولا يجوز أن تقول: رأيت دفار، ولا أن تقول: مررت بدفار، ومن أجل هذا يخرج قوله " لكاع " هنا على حذف خبر المبتدأ وجعل " لكاع " منادى بحرف نداء محذوف كما قلنا في إعراب البيت
لا فرق بين أن يكون المفرد مفردا حقيقة، كما تقول: زيد الذي يزورنا رجل كريم، وأن يكون مفردا حكما كما تقول: الفريق الذي أكون فيح فريق مخلص نافع، كما أنه لا فرق بين أن يكون عاقلا كما مثلنا، وأن يكون غير عاقل كما تقول: اليوم الذي سافرت فيه كان يوما ممطرا.
" جمع " مبتدأ، وجمع مضاف و" الذي " مضاف إليه " الأولى " خبر المبتدأ " الذين " معطوف على الخبر بتقدير حرف العطف " مطلقا " حال من الذين " وبعضهم " الواو عاطفة، بعض: مبتدأ، وبعض مضاف والضمير العائد إلى العرب مضاف إليه " بالواو " جار ومجرور متعلق بقوله نطق الآتي " رفعا " يجوز أن يكون حالا، وأن يكون منصوبا بنزغ الخافض، وأن يكون مفعولا لأجله " نطقا " نطق: فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " بعضهم " والألف للإطلاق، والجملة من نطق وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو بعضهم.
" باللات " جار ومجرور متعلق بقوله جمع الآتي " واللاء " معطوف على اللات " التي " مبتدأ " قد " حرف تحقيق " جمعا " جمع: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على التي، والألف للإطلاق، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " واللاء " الواو حرف عطف، اللاء: مبتدأ " كالذين " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال صاحبه الضمير المستتر في " وقع " الآتي " نزرا " حال ثانية من الضمير المستتر في وقع " وقعا " وقع: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " اللاء " والألف للإطلاق، والجملة من وقع وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو قوله اللاء.
هذا البيت من كلام أبي ذؤيب - خويلد بن خالد الهذلي، وقبله: وتلك خطوب قد تملت شبابنا قديما، فتبلينا المنون، وما نبلي اللغة: " خطوب " جمع خطب، وهو الأمر العظيم " تملت شبابنا " استمتعت بهم " تبلينا " تفنينا " المنون " المنية والموت " يستلئمون " يلبسون اللامة، وهي الدرع، ويوم الروع " يوم الخوف والفزع، وأراد به يوم الحرب " الحدأ " جمع حدأة، وهو طائر معروف، ووزنه عنبة وعنب، وأراد بها الخيل على التشبيه " القبل " جمع قبلاء، وهي التي في عينها القبل - بفتح القاف والباء جميعا - وهو الحور.
المعنى: إن حوادث الدهر والزمان قد تمتعت بشبابنا قديما، فتبلينا المنون ونبليها، وتبلي من بيننا الدارعين والمقاتلة فوق الخيول التي تراها يوم الحرب كالحدأ في سرعتها وخفتها.
الإعراب: " وتبلي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على المنون في البيت الذي ذكرناه في أول الكلام على البيت " الألى " مفعول به لتبلي " يستلئمون " فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، وواو الجماعة فاعله، والجملة لا محل لها صلة الموصول، " على " حرف جر " الألى " اسم موصول مبني على السكون في محل جر بعلى، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال صاحبه " الألى " الواقع مفعولا به لتبلي " تراهن " ترى: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والضمير البارز مفعول أول " يوم " ظرف زمان متعلق بقوله ترى، ويوم مضاف و" الروع " مضاف إليه " كالحدأ " جار ومجرور متعلق بترى، وهو المفعول الثاني " القبل " صفة للحدإ، وجملة ترى وفاعله ومفعوليه لا محل لها صلة الموصول.
الشاهد فيه: قوله " الأولى يستلئمون "، وقوله " الألى تراهن " حيث استعمل لفظ الاولى في المرة الأولى في جمع المذكر العاقل، ثم استعمله في المرة الثانية في جمع المؤنث غير العاقل، لان المراد بالأولى تراهن إلخ الخيل كما بينا في لغة البيت، والدليل على أنه استعملها هذا الاستعمال ضمير جماعة الذكور في " يستلئمون " وهو الواو، وضمير جماعة الإناث في " تراهن " وهو " هن ".
ومن استعمال " الألى " في جمع الإناث العاقلات قول مجنون بني عامر:
محا حبها حب الألى كن قبلها وحلت مكانا لم يكن حل من قبل وقول الآخر: فأما الألى يسكن غور تهامة فكل فتاة تترك الحجل أقصما وهذا البيت يقع في بعض نسخ الشرح، ولا يقع في أكثرها، ولهذا أثبتناه ولم تشرحه، ومن استعماله في الذكور العقلاء قول الشاعر: فإن الألى بالطف من آل هاشم تآسوا فسنوا للكرام التآسيا ومن استعماله في الذكور غير العقلاء وإن كان قد أعاد الضمير عليه كما يعيده على جمع المؤنثات قول الآخر: تهيجني للوصل أيامنا الألى مررن علينا والزمان وريق
اختلف في نسبة هذا البيت إلى قائله اختلافا كثيرا، فنسبه أبو زيد (النوادر 47) إلى رجل جاهلي من بني عقيل سماه أبا حرب الأعلم، ونسبه الصاغاني في العباب إلى ليلى الاخيلية، ونسبه جماعة إلى رؤية بن العجاج، وهو غير موجود في ديوانه، وبعد الشاهد في رواية أبي زيد: نحن قتلنا الملك الجحجاحا ولم ندع لسارح مراحا إلا ديارا أو دما مفاحا نحن بنو خويلد صراحا لا كذب اليوم ولا مزاحا اللغة: " نحن الذون " هكذا وقع في رواية النحويين لهذا البيت، والذي رواه الثقة أبو زيد في نوادره " نحن الذين " على الوجه المشهور في لغة عامة العرب، وقوله " صبحوا " معناه جاؤوا بعددهم وعددهم في وقت الصباح مباغتين للعدو، وعلى هذا يجري قول الله تعالى: ﴿فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّيۡحَةُ مُصۡبِحِينَ ٨٣﴾ [الحجر:83] " النخيل " - بضم النون وفتح الخاء - اسم مكان بعينه " غارة " اسم من الإغارة على العدو " ملحاحا " هو مأخوذ من قولهم " ألح المطر " إذا دام، وأراد أنها غارة شديدة تدوم طويلا " مفاحا " بضم الميم - مرافا حتى يسيل " صراحا " يريد أن نسبهم إليه (صريح) ؟ خالص لا شبهة فيه ولا ظنة وهو بزنة غراب، وجعله العيني - وتبعه البغدادي - بكسر الصاد جمع صريح مثل كريم وكرام.
الإعراب: " نحن " ضمير منفصل مبتدأ " الذون " اسم موصول خبر المبتدأ " صبحوا " فعل وفاعل، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة " الصباحا، يوم " ظرفان يتعلقان بقوله " صبحوا " ويوم مضاف و" النخيل " مضاف إليه " غارة " مفعول لا جله، ويجوز أن يكون حالا بتأويل المشتق - أي مغيرين - وقوله " ملحاحا " نعت لغارة.
الشاهد فيه: قوله " الذون " حيث جاء به بالواو في حالة الرفع، كما لو كان جمع مذكر سالما، وبعض العلماء قد اغتر بمجئ " الذون " في حالة الرفع ومجئ " الذين " في حالتي النصب والجر، فزعم أن هذه الكلمة معربة، وأنها جمع مذكر سالم حقيقة، وذلك بمعزل عن الصواب، والصحيح أنه مبني جئ به على صورة المعرب، والظاهر أنه مبني على الواو والياء
البيت لرجل من بني سليم، ولم يعينه أحد ممن اطلعنا على كلامهم من العلماء اللغذ: " أمن " أفعل تفضيل من قولهم: من عليه، إذا أنعم عليه " مهدوا " بفتح الهاء مخففة من قولك: مهدت الفراش مهدا، إذا بسطته ووطأته وهيأته، ومن هنا سمي الفراش مهادا لوثارته، وقال الله تعالى: ﴿فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ [الروم:44] أي: يوطئون، ومن ذلك تمهيد الأمور، أي تسويتها وإصلاحها " الحجور " جمع حجر - بفتح الحاء أو كسرها أو ضمها - وهو حضن الإنسان، ويقال: نشأ فلان في حجر فلان - بكسر الحاء أو فتحها - يريدون في حفظه وستره ورعايته.
المعنى: ليس آباؤنا - وهم الذين أصلحوا شأننا، ومهدوا أمرنا، وجعلوا لنا حجورهم كالمهد - بأكبر نعمة علينا وفضلا من هذا الممدوح.
الإعراب: " ما " نافية بمعنى ليس " آباؤنا " آباء: اسم ما، وآباء مضاف والضمير مضاف إليه " بأمن " الباء زائدة، وأمن: خبر ما " منه، علينا " كلاهما جار ومجرور متعلق بقوله أمن، وقوله " اللاء " اسم موصول صفة لآباء " قد " حرف تحقيق " مهدوا " مهد: فعل ماض، وواو الجماعة فاعله " الحجورا " مفعول به لمهد، والألف للإطلاق، وجملة الفعل الماضي - الذي هو مهد - وفاعله ومفعوله لا محل لها صلة الموصول.
الشاهد فيه: قوله " اللاء " حيث أطلقه على جماعة الذكور، فجاء به وصفا لآباء.
وقد استعملوا " الالاء " اسما موصولا وأصله اسم إشارة، وأطلقوه على جمع الذكور كما في قول خلف بن حازم: إلى النفر البيض الالاء كأنهم صفائح يوم الروع أخلصها الصقل وقول كثير بن عبد الرحمن المشهور بكثير عزة: أبى الله للشم الالاء كأنهم سيوف اجاد القين يوما صقالها.
" ومن " مبتدأ " وما، وأل " معطوفان على من " تساوي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى الألفاظ الثلاثة من وما وأل، والجملة من تساوي وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " ما " اسم موصول مفعول به لقوله " تساوي " وقوله " ذكر " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " ما " الواقع مفعولا به، والجملة لا محل لها صلة الموصول " وهكذا " ها: حرف تنبيه، كذا: جار ومجرور متعلق بمحذوف حال صاحبه الضمير في قوله " شهر " الآتي " ذو " مبتدأ " عند " ظرف متعلق بقوله " شهر " الآتي، وعند مضاف و" طيئ " مضاف إليه " شهر " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " ذو " والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو ذو.
" كالتي " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " أيضا " مفعول مطلق فعله محذوف " لديهم " لدى: ظرف متعلق بما تعلق به الجار والمجرور السابق، ولدى مضاف والضمير مضاف إليه " ذات " مبتدأ مؤخر " وموضع " منصوب على الظرفية المكانية ناصبه قوله " أتى " الآتي، وموضع مضاف و" اللاتي " مضاف إليه " أتى ذوات " فعل ماض وفاعله.
تستعمل " ما " في العاقل في ثلاثة مواضع، الأول: أن يختلط العاقل مع غير العاقل نحو قوله تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [الجمعة:1] فإن ما يتناول ما فيهما من إنس وملك وجن وحيوان وجماد، بدليل قوله: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء:44] والموضع الثاني: أن يكون أمره مبهما على المتكلم، كقولك - وقد رأيت شبحا من بعيد -: انظر ما ظهر لي، وليس منه قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا﴾ [آل عمران:35] لان إبهام ذكورته وأنوثته لا يخرجه عن العقل، بل استعمال " ما " هنا في ما لا يعقل لان الحمل ملحق بالجماد، والموضع الثالث: أن يكون المراد صفات من يعقل، كقوله تعالى {قرآن|س=4|آ=3|فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم}} وهذا الموضع هو الذي ذكره الشارح بالمثال الأول من غير بيان
تستعمل " من " في غير العاقل في ثلاثة مواضع، الأول: أن يقترن غير العاقل مع من يعقل في عموم فصل بمن الجارة، نحو قوله تعالى: ﴿فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ﴾ [النور:45] ومن المستعملة فيما لا يعقل مجاز مرسل علاقته المجاورة في هذا الموضع، والموضع الثاني: أن يشبه غير العاقل بالعاقل فيستعار له لفظه، نحو قوله تعالى: ﴿مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ﴾ [الأحقاف:5] وقول الشاعر أسرب القطا هل من يعير جناحه وهو الذي استشهد به المؤلف فيما يلي، وسنذكر معه نظائره، واستعمال من فيما لا يعقل حينئذ استعارة، لان العلاقة المشابهة، والموضع الثالث: أن يختلط من يعقل بما لا يعقل نحو قول الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الرعد:15] واستعمال من فيما لا يعقل - في هذا الموضع - من باب التغليب، واعلم أن الأصل تغليب من يعقل على ما لا يعقل، وقد يغلب ما لا يعقل على من يعقل، لنكتة، وهذه النكت تختلف باختلاف الأحوال والمقامات.
هذان البيتان للعباس بن الأحنف، أحد الشعراء المولدين، وقد جاء بهما الشارح تمثيلا لا استشهادا، كما يفعل المحقق الرضي ذلك كثيرا، يمثل بشعر المتنبي والبحتري وأبي تمام، وقيل: قائلهما مجنون ليلى، وهو ممن يستشهد بشعره، وقد وجدت بيت الشاهد ثابتا في كل ديوان من الديوانين: ديوان المجنون، وديوان العباس، وذلك من خلط الرواة.
اللغة: " السرب " جماعة الظباء والقطا ونحوهما، و" القطا " ضرب من الطير قريب الشبه من الحمام " جدير " لائق وحقيق " هويت " بكسر الواو - أي أحببت.
الإعراب: " بكيت " فعل وفاعل " على سرب " جار ومجرور متعلق ببكيت، وسرب مضاف و" القطا " مضاف إليه " إذ " ظرف زمان متعلق ببكيت مبني على السكون في محل نصب " مررن " فعل وفاعل، والجملة في محل جر بإضافة إذ إليها، أي بكيت وقت مرورهن بي " بي " جار ومجرور متعلق بمر " فقلت " فعل وفاعل " ومثلي " الواو للحال، مثل: مبتدأ، ومثل مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " بالبكاء " جار ومجرور متعلق بقوله جدير الآتي " جدير " خبر المبتدأ " أسرب " الهمزة حرف نداء، وسرب: منادى منصوب بالفتحة الظاهرة، وسرب مضاف، و" القطا " مضاف إليه " هل " استفهامية " من " اسم موصول مبتدأ " يعير " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من، والجملة من يعير وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ، هكذا قالوا، وعندي أن جملة " يعير جناحه " لا محل لها من الإعراب صلة الموصول الذي هو من، وأما خبر المبتدأ فمحذوف، وتقدير الكلام: هل الذي يعير جناحه موجود " جناحه " جناح: مفعول به ليعير، وجناح مضاف والضمير مضاف إليه " لعلي " لعل: حرف ترج ونصب، والياء ضمير المتكلم اسمها " إلى " حرف جر " من " اسم موصول مبني على السكون في محل جر بإلى، والجار والمجرور متعلق بقوله أطير الآتي " قد " حرف تحقيق " هويت " فعل ماض وفاعله، والجملة لا محل لها صلة الموصول، والعائد محذوف، والتقدير: إلى الذي قد هويته " أطير " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والجملة في محل رفع خبر " لعل ".
الشاهد فيه: قوله " أسرب القطا " وقوله " من يعير جناحه " والنداء معناه طلب إقبال من تناديه عليك، ولا يتصور أن تطلب الإقبال إلا من العاقل الذي يفهم الطلب ويفهم الإقبال، أو الذي تجعله بمنزلة من يفهم الطلب ويفهم الإقبال، فلما تقدم بندائه استساغ أن يطلق عليه اللفظ الذي لا يستعمل إلا في العقلاء بحسب وضعه، وقد تمادى في معاملته معاملة ذوي العقل، فاستفهم منه طالبا أن يعيره جناحه، والاستفهام وطلب الإعارة إنما يتصور توجيههما إلى العقلاء. ومثل ذلك قول امرئ القيس بن حجر الكندي: ألا عم صباحا أيها الطلل البالي وهل يعمن من كان في العصر الخالي.
لا فرق بين أن يكون ما استعمل فيه " ذو " الموصولة عاقلا أو غير عاقل فمن استعمالها في المفرد المذكر العاقل قول منظور بن سحيم الذي سيستشهد الشارح به، وقول قوال الطائي: فقولا لهذا المرء ذو جاء ساعيا: هلم فإن المشرفي الفرائض يريد فقولا لهذا المرء الذي جاء ساعيا ومن استعمالها في المفرد المؤنث غير العاقل قول سنان بن الفحل الطائي: فإن الماء ماء أبي وجدي وبئري ذو حفرت وذو طويت يريد: وبئري التي حفرتها والتي طويتها، لان البئر مؤنثة بدون علامة تأنيث.
ومن استعمالها في المفرد المذكر غير العاقل قول قوال الطائي أيضا: أظنك دون المال ذو جئت طالبا ستلقاك بيض للنفوس قوابض.
قد مضى شرح هذا البيت في باب " المعرب والمبني " (ش رقم 4) شرحا وافيا لا تحتاج معه إلى إعادة شئ منه هنا، وقد ذكرنا هناك أن المؤلف سينشده مرة أخرى في باب الموصول، وأنه سيذكر فيه روايتين، وقد بينا ثمة تخريج كل واحدة منهما، ووجه الاستدلال بهما
قال ابن منظور: " قال شمر: قال الفراء: سمعت أعرابيا يقول: بالفضل ذو فضلكم الله به، والكرامة ذات أكرمكم الله بها، فيجعلون مكان الذي ذو، ومكان التي ذات، ويرفعون التاء على كل حال، ويخلطون في الاثنين والجمع، وربما قالوا: هذا ذو تعرف، وفي التثنية: هذان ذوا تعرف، وهاتان ذوا تعرف، وأنشد الفراء: وبئري ذو حفرت وذو طويت ومنهم من يثني، ويجمع، ويؤنث، فيقول: هذان ذوا قالا، وهؤلاء ذوو قالوا، وهذه ذات قالت، وأنشد: جمعتها من أينق موارق ذوات ينهضن بغير سائق " اه كلام ابن منظور، وهو في الأصل كلام الفراء.
" ومثل " خبر مقدم، ومثل مضاف و" ما " مضاف إليه " ذا " مبتدأ مؤخر " بعد " ظرف متعلق بمحذوف حال من ذا، وبعد مضاف و" ما " قصد لفظه: مضاف إليه، وما مضاف و" استفهام " مضاف إليه " أو " حرف عطف " من " معطوف على ما " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " لم " حرف نفي وجزم وقلب " تلغ " فعل مضارع مبني للمجهول، مجزوم بحذف الألف والفتحة قبلها دليل عليها، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى ذا، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها، وهي فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام، وتقديره: ذا مثل ما حال كونها بعدما أو من الاستفهاميتين، إذا لم تلغ في الكلام فهي كذلك، وقوله " في الكلام " جار ومجرور متعلق بقوله تلغ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق